لبثنا في الآخرة كعشرة أيام. فقال أعقلهم : بل كاليوم الواحد. وإنما قال : (عَشْراً) لأن المراد عشر ليال. وقال مقاتل : أراد عشر ساعات أي بعض يوم. وعلى هذا فأفضلهم رد عليهم استقصارهم وتقالهم. وقيل : المراد لبثهم في القبور.
قال أهل النظم : كأن سائلا سأل : كيف يصح التخافت بين المجرمين والجبال حائلة مانعة؟ فلذلك قال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ) وقال الضحاك : إن مشركي مكة قالوا على سبيل الاستهزاء : يا محمد كيف يكون حال الجبال يوم القيامة؟ فنزلت. ويحتمل أن يكون هذا جواب شبهة تمسك بها منكرو البعث ـ منهم جالينوس ـ زعم أن الأفلاك لا تفنى لأنها لو فنيت لابتدأت بالنقصان حتى تنتهي إلى البطلان ، وكذا الجبال وغيرها من الأجرام الكلية ، فأمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يبين لهم هذه المسألة الأصولية من غير تأخير ولهذا أدخل فاء التعقيب في الجواب. والنسف القلع. وقال الخليل : التطيير والإذهاب كأنه يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها. وحاصل الجواب أن كل بطلان لا يلزم أن يكون ذبوليا بل قد يكون رفعيا. والضمير في (فَيَذَرُها) للمضاف المحذوف أي فيدع مقارها ومراكزها وهو للأرض للعلم بها كقوله : (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) [فاطر : ٤٥] والقاع المستوي من الأرض. وقيل : المكان المطمئن. وقيل : مستنقع الماء. والصفصف الأرض الملساء المستوية. وقيل : التي لا نبات فيها. والأمت النتوّ اليسير. وقيل : التلال الصغار. قالوا : العوج بالكسر في المعاني وكأنه سبحانه نفى العوج الذي يدق عن الإحساس ولا يدرك إلا بالقياس الهندسي ، وإذا كان هذا النوع من العوج الاعتباري منتفيا فكيف بالعوج الحسي! وقد يستدل بالآية على أن الأرض يومئذ تكون كرة حقيقة إذ لو كانت مضلعة وقعت بين الأضلاع فصول مشتركة فيعوج الامتداد القائم عليها هناك. ثم إنه تعالى وصف ذلك اليوم بأن الخلائق فيه (يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ) قيل : هو النفخ في الصور. وقوله : (لا عِوَجَ لَهُ) أي لا يعدل عن أحد بدعائه بل يحشر الكل. وقيل : إن إسرافيل أو ملكا آخر يقوم على صخرة بيت المقدس ينادي : أيها العظام النخرة والأوصال المتفرقة واللحوم المتمزقة ، قومي إلى ربك للحساب والجزاء فلا يعوج له مدعوّ بل يتبعون صوته من غير انحراف. (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ) خفضت من شدة الفزع (فَلا تَسْمَعُ) أيها السامع (إِلَّا هَمْساً) وهو الصوت الخفي. وذلك أن الجن والإنس علموا أن لا مالك لهم سواه ، وحق لمن كان الله محاسبه أن يخشع طرفه ويضعف صوته ويختلط قوله ويطول غمه. وعن ابن عباس والحسن وعكرمة وابن زيد الهمس وطء الأقدام إلى المحشر. قوله : (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) يصلح أن يكون «من» منتصبا على