إزالة ما لا ينبغي ، والتوبة سعي الإنسان في الطاعة والاستعانة بفضل الله مقدم على الاستعانة بسعي النفس. ثم رتب على الامتثال أمرين : الأول التمتع بالمنافع الدنيوية إلى حين الوفاة كقوله (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) [النحل : ٩٧].
سؤال : كيف الجمع بين هذا وبين قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) [الزخرف : ٣٣] وقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «الدنيا سجن المؤمن» (١) ، «البلاء موكل بالأنبياء ثم بالأولياء»؟ (٢) وأجيب بأن المراد أن لا يهلكهم بعذاب الاستئصال أو يرزقهم كيف كان. والجواب الثاني أن الإنسان إذا كان مشغولا بطاعة الله مستغرقا في نور معرفته وعبادته كان مبتهجا في نفسه مسرورا في ذاته ، هينا عليه ما فاته من اللذات العاجلة ، قانعا بما يصيبه من الخيرات الزائلة. الثاني قوله : (وَيُؤْتِ) أي في الآخرة (كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) أي موجب فضل ذلك الشخص ومقتضاه يعني الجزاء المرتب على عمله بحسب تزايد الطاعات. وتسمية العمل الحسن فضلا تشريف ويجوز أن يعود الضمير في (فَضْلَهُ) إلى الله تعالى. وفيه تنبيه على أن الدرجات في الجنة تتفاضل بحسب تزايد الطاعات. ثم أوعد على مخالفة الأمر فقال : (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أي تتولوا فحذفت إحدى التاءين والمعنى إن تعرضوا عن الإخلاص في العبادة وعن الاستغفار والتوبة (فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) هو يوم القيامة الموصوف بالعظم والثقل أيضا (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) [الدهر : ٢٧]. ثم بين كبر عذاب ذلك اليوم بقوله : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) أي لا حكم في ذلك اليوم إلا لله ولا رجوع إلا إلى جزائه ، وهو مع ذلك كامل القدرة نافذ الحكم فما ظنكم بعذاب يكون المعذب به مثله. وفيه من التهديد ما فيه ولكن الآية تتضمن البشارة من وجه آخر. وذلك أن الحاكم الموصوف بمثل هذه العظمة والقدرة والاستقلال في الحكم إذا رأى عاجزا مشرفا على الهلاك فإنه يرحم عليه ولا يقيم لعذابه وزنا. اللهم لا تخيب رجاءنا فإنك واسع المغفرة. ثم ذكر أن التولي عن الأوامر المذكورة باطنا كالتولي عنها ظاهرا فقال : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ) يقال ثنى صدره عن الشيء إذا ازورّ عنه وانحرف وطوى عنه كشحا.
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الزهد حديث : ١. الترمذي في كتاب الزهد باب : ١٦. ابن ماجه في كتاب الزهد باب : ٣. أحمد في مسنده (٢ / ١٩٧ ، ٣٢٣).
(٢) رواه الترمذي في كتاب الزهد باب : ٥٧. البخاري في كتاب المرضى باب : ٣. ابن ماجه في كتاب الفتن باب : ٢٣. الدارمي في كتاب الرقاق باب : ٦٧. أحمد في مسنده (١ / ١٧٢ / ١٨٠).