مقاتل والكلبي : أن الآية منسوخة بقوله (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن : ١٦] كما أن قوله (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢] منسوخ بذلك. وضعف بأن التكليف مشروط بالقدرة فلا حاجة إلى التزام النسخ. ثم عظم شأن المكلفين بقوله (هُوَ اجْتَباكُمْ) أي اختاركم لدينه ونصرته وفيه تشريف كقوله (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة : ١٤٣] ثم كان لقائل أن يقول : التكليف وإن كان تشريفا إلا أن فيه مشقة على النفس فقال (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) أي ضيق وشدة وذلك بأنه فتح باب التوبة ووسع على المكلفين بأنواع الرخص والكفارات والديات والأروش. يروى أن أبا هريرة قال : كيف قال سبحانه (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) مع أنا منعنا عن الزنا والسرقة؟ فقال ابن عباس : بلى ولكن الإصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم. قالت المعتزلة : لو خلق الله فيه الكفر ثم نهاه عنه كان ذلك من أعظم الحرج. وعورض بأنه نهاه عن الكفر مع أنه علم ذلك منه ، وكأنه أمره بقلب علم الله جهلا وهو أعظم الحرج.
ثم أثنى على هذه الأمة بقوله (مِلَّةَ أَبِيكُمْ) أي أعني الدين ملة أبيكم ، ويجوز أن ينتصب بمضمون ما تقدم كأنه قيل : وسع دينكم توسعة ملة أبيكم فأقام المضاف إليه مقام المضاف ، وإنما كان إبراهيم أبا هذه الأمة لأنه أبو الرسول صلىاللهعليهوسلم وكل نبي أبو أمته. والمراد أن التوحيد والحنيفية هي مما شرعه إبراهيم. (هُوَ) أي الله أو إبراهيم (سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) أي في سائر الكتب أو في قوله (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) [البقرة : ١٢٨] (وَفِي هذا) القرآن أما إن كان المسمى هو الله فظاهر ، وأما إن كان هو إبراهيم فلعله أراد أن حكاية دعائه مذكورة في القرآن. وقوله (لِيَكُونَ الرَّسُولُ) متعلق بقوله (هُوَ اجْتَباكُمْ) أي فضلكم على الأمم لهذا الغرض نظيره قوله في البقرة (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا) [الآية : ١٤٣] والأصل تقديم الأمة كما في «البقرة» لأن الخطاب معهم وليقع الختم على شهادة الرسول كما هو الواقع إلا أنه عكس الترتيب في هذه السورة ليناط به قوله (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) والمراد إذ خصكم بهذه الكرامة فاعبدوه واعتصموا بدلائله العقلية والسمعية أو بألطافه وعنايته. قال ابن عباس : سلوا الله العصمة عن كل المحرمات. وقال آخرون : اجعلوه عصمة لكم مما تحذرون فهو خير مولى وناصر. استدلت المعتزلة بالآية في قولهم إنه يريد الإيمان من الكل من وجوه : الأول أنه أراد أن يكونوا شهداء ولن يكونوا كذلك إلا إذا آمنوا ، الثاني أنه لا يمكن الاعتصام به إلا إذا لم يوجد منه الشر البتة. الثالث أنه لو خلق في عباده الكفر والمعاصي لم يكن نعم المولى. وأجيب بعد تسليم إرادة الإيمان من الكل أن إرادة الشيء إن كانت مستلزمة لإرادة لوازمه فإرادة الإيمان من الكفار تستلزم أن يكون الله تعالى مريدا