العاشرة : في فوائد متعلقة بالآية منها : إبطال الجمهور وقول الخوارج إن الزنا والقذف كفر ، وذلك أن الرامي إن صدق فهي زانية وإن كذب فهو قاذف ، فلا بد من كفر أحدهما والردة توجب الفرقة من غير لعان. ومنها إبطال قول من زعم أن الزنا يوجب فساد النكاح لأن رمي الزوج إياها اعتراف منه بزناها بل بفساد النكاح على قول هذا القائل فتحصل الفرقة بلا لعان. ومنها أن المعتزلة قالوا : المتلاعنان يستحقان اللعن أو الغضب الموجبين للعقاب الأبدي المضاد للثواب وذلك يدل على خلود الفساق في النار. أجابت الأشاعرة بأن كونه مغضوبا عليه بفسقه لا ينافي كونه مرضيا عنه بجهة إيمانه فلا بد أن يحصل له بعد العقاب ثواب. ثم أخبر عن كمال رأفته بقوله (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) أي فيما بين من هذه الأحكام وفيما أمهل وأبقى ومكن من التوبة. وجواب «لو لا» محذوف أي لهلكتم أو فضحتم أو لكان ما كان من أنواع المفاسد. وإنما حسن حذفه ليذهب الوهم كل مذهب فيكون أبلغ في البيان فرب مسكوت عنه أبلغ من منطوق به.
التأويل : النفس الزانية المستسلمة لتصرفات الشيطان والدنيا فيها ، والروح الزاني بتصرفه في الدنيا وشهواتها المنهية عنها (فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) من الجوع وترك الشهوات والمرادات ، ومن حملهما على المخالفات. ولعل السر في تخصيص هذا العدد هو أن ساعات اليوم بليلته أربع وعشرون منها : أربع ساعات لأجل النوم (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) [المزمل : ٢٠] والباقية يجب فيها مراقبة الحواس الخمس وتأديبهن بآداب الشرع والعقل ، فيكون المجموع مائة تأديبة يحصل نتائجها وكمالها للنفس والروح والله تعالى أعلم. (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما) ولتكن هذه التزكية والتأديبات بمحضر شيخ واصل كامل يحفظه من طرفي الإفراط والتفريط (الزَّانِي لا يَنْكِحُ) فيه أن الطبع يسرق والجنس إلى الجنس يميل ، فأهل الفساد لا ترغب إلا في صحبة أمثالهم من أهل الفساد كما أن أرباب السداد لا تطمح إلا إلى صحبة أمثالهم من أرباب السداد. (وَحُرِّمَ ذلِكَ) الذي قلنا من اختلاط الأشرار (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) أي الأرواح الذين ينسبون إلى نقصان النفوس المستعدات للكمالات (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) أي لم يكن خواص العناصر الأربعة ظاهرة على صفحات أحوالهن كما مر تقريره في أول النساء في قوله (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) [النساء : ١٥] ولم تبلغ الملكات الذميمة منهن مرتبتها. الرابعة كالكاتب يكتب بالفعل (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) مر وهم بالخلوة أربعين يوما وأربعين ليلة حتى يظهر لهم كمال حال النفوس في الموافقة لهم ولا تقبلوا لهم بعد ذلك شهادة عليهن ، وأولئك هم الذين يريدون أن يخرجوا عن طاعة الله بقدر نسبة النقصان إلى