اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] وفيه دليل على حقية خلافته وإلا كان عاصيا والعاصي في النار. وليس النهي في قوله (وَلا يَأْتَلِ) نهي زجر عن المعصية ولكنه ندب إلى الأولى والأفضل وهو العفو. عن النبي صلىاللهعليهوسلم أفضل أخلاق المسلمين العفو وعنه صلىاللهعليهوسلم «لا يكون العبد ذا فضل حتى يصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه» واعلم أن العلماء أجمعوا على أن مسطحا كان مذنبا لأنه أتى بالقذف أو رضي به على الروايتين عن ابن عباس ، ولهذا حده رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وأجمعوا أيضا على أنه من البدريين وقد ورد فيهم الخبر الصحيح «لعل الله نظر إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» (١) فكيف الجمع بين الأمرين؟ أجابوا أنه ليس المراد من قوله «اعملوا ما شئتم» أنهم خارجون عن حد التكليف وإنما المراد اعملوا من النوافل ما شئتم قليلا أو كثيرا فقد أعطيتكم الدرجات العاليات في الجنة ، أو أراد حسن حالهم في العاقبة أنهم يوافون بالطاعة فكأنه قال : قد غفرت لكم لعلمي بأنكم تموتون على التوبة والإنابة. قالت الأشاعرة : في وصف مسطح ومدحه بكونه من المهاجرين دليل على أن ثواب كونه مهاجرا لم ينحبط بإقدامه على القذف فيكون القول بالمحابطة باطلا. استدل جمهور الفقهاء بالآية في قول من فسر الائتلاء بالحلف على أن اليمين على الامتناع من الخير غير جائزة وإنما يجوز إذا جعلت داعية للخير لا صارفة عنه. ثم قالوا : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فينبغي له أن يأتي بالذي هو خير ثم يكفر عن يمينه كما جاء في الحديث ولقوله تعالى (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) [المائدة : ٨٩] وهو عام في جانب الخير وفي غيره. ومثله ما ورد في قصة أيوب (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ) [ص : ٤٤] ولو كان الحنث كفارة لم يؤمر بضرب الضغث عليها. وقال بعض العلماء : إنه يأتي بالذي هو خير وذلك كفارته لقوله صلىاللهعليهوسلم في حديث آخر «من حلف عليّ يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت بالذي هو خير وذلك كفارته» (٢) ولأنه تعالى أمر أبا بكر في هذه الآية بالحنث ولم يوجب عليه كفارة. وأجيب بأن معنى الكفارة في الحديث تكفير الذنب لا الكفارة الشرعية التي هي إحدى الخصال ، وإنما ذهبنا إلى هذا ليكون مطابقا للحديث الآخر «من حلف عليّ يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب تفسير سورة ٦٠ باب ١. أبو داود في كتاب السنة باب ٨. الترمذي في كتاب تفسير سورة ٦٠ باب ١.
(٢) رواه البخاري في كتاب الخمس باب ١٥. مسلم في كتاب الإيمان حديث ٧ ، ٩. النسائي في كتاب الأيمان باب ١٥ ، ١٦. ابن ماجة في كتاب الكفارات باب ٧ ، ٨. الدارمي في كتاب النذور باب ٩. أحمد في مسنده (٢ / ١٨٥) (٣ / ٧٦) (٤ / ٢٥٦).