والطيبون (أُولئِكَ) الطيبون (مُبَرَّؤُنَ مِمَّا) يقول الخبيثون من خبيثات الكلم. قال جار الله : هو كلام جار مجرى المثل لعائشة وما رميت به من قول لا يطابق حالها في النزاهة والطيب ، وجوز بقرينة الحال أن يكون (أُولئِكَ) إشارة إلى أهل البيت عليهمالسلام وأنهم مبرؤون مما يقول أهل الإفك. وفي الآية قول آخر وهو أن يراد بالخبيثات النساء الخبائث ، وبالخبيثين الرجال الذين هم أشكال لهن فيكون أول الآية نظير قوله (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً) وكذلك الكلام في أهل الطيب ولا أطيب من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيكون أزواجه مثله فلذلك أخبر عن حالهن بقوله (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) وقد مر تفسير الرزق الكريم في «الحج» نظيره قوله في الأحزاب (وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) [الآية : ٣١] وفي الآية دلالة على أن عائشة من أهله الجنة. وقال بعض الشيعة : هذا الوعد مشروط باجتناب الكبائر وقد فعلت عائشة من البغي يوم الجمل ما فعلت ، والصحيح عند العلماء إنها رجعت عن ذلك الاجتهاد وتابت. عن عائشة : لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة : لقد نزل جبريل عليهالسلام بصورتي في راحته حين أمر النبي أن يتزوجني ، ولقد تزوجني بكرا وما تزوج بكرا غيري ، ولقد توفي وإن رأسه لفي حجري ، ولقد قبر في بيتي ، ولقد حفته الملائكة في بيتي ، وإن الوحي لينزل عليه في أهله فيتفرقون عنه وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه ، وإني لابنة خليفته وصدّيقه ، ولقد نزل عذري من السماء ، ولقد خلقت طيبة عند طيب ، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما. وعن بعضهم : برأ الله أربعة بأربعة : برأ يوسف بلسان الشاهد (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) [يوسف : ٢٦] وبرأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه ، وبرأ مريم بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها إلى عبد الله ، وبرأ عائشة بهذه الآيات العظام في كتابه المتلو على وجه الدهر مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات ، فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك وما ذاك إلا لإظهار علو منزلة سيد الأولين والآخرين وحجة الله على العالمين.
التأويل : إذا حصل لأهل الله مسألة إلى غيره قيض الله له ما يرده إليه ، وأن النبي عليهالسلام لما قيل له : أي الناس أحب إليك؟ قال : عائشة فساكنها وقال : يا عائشة حبك في قلبي كالعقدة. وقالت عائشة : إني أحبك وأحب قربك فالله تعالى حل عقدة الحب عن قلبه لحديث الإفك ورد قلب عائشة إلى حضرته حتى قالت حين ظهرت براءة ساحتها «بحمد الله لا بحمدك». وقيل : الملامة مفتاح باب حبس الوجود بها يذوب الوجود ذوبان الثلج بالشمس (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ) شهادة الأعضاء في القيامة مؤجلة وبالحقيقة هي في الدنيا معجلة كقوله (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) [البقرة : ٢٧٣] من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار وقال الشاعر :
عيناك قد حكتا مبيتك |
|
كيف كنت وكيف كانا |
ولرب عين قد أرتك |
|
مبيت صاحبها عيانا |