«من» للتبعيض والمراد غض شيء من البصر لأن غض كله كالمعتذر بخلاف حفظ الفرج فإنه ممكن على الإطلاق. وجوز الأخفش أن تكون «من» مزيدة. وقيل : صلة للغض أي ينقصوا من نظرهم. يقال : غضضت من فلان إذا انقضت من قدره. فالنظر إذا لم يكن من عمله فهو معفو موضوع عنه. وإعراب قوله (يَغُضُّوا) كما مر في سورة إبراهيم في قوله (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا) [الآية : ٣١] قال الفقهاء : العورات على أربعة أقسام : عورة الرجل مع الرجل ، وعورة المرأة مع المرأة ، وعورة المرأة مع الرجل ، وبالعكس. أما الرجل مع الرجل فيجوز أن ينظر إلى جميع بدنه إلا إلى عورته ، وعورته ما بين السرة والركبة ، والسرة والركبة ليستا بعورة. وعند أبي حنيفة : الركبة عورة. قال مالك : الفخذ ليست بعورة وهو خلاف ما روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال لعلي : لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي وميت. فإن كان في نظره إلى وجه الرجل أو سائر بدنه شهوة أو خوف فتنة بأن كان أمرد لا يحل النظر إليه. ولا يجوز للرجل مضاجعة الرجل وإن كان واحد منهما في جانب الفراش لرواية أبي سعيد الخدري أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد» (١) ويكره المعانقة وتقبيل الوجه. إلا لولده شفقة. وتستحب المصافحة والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل فلها النظر إلى جميع بدنها إلا ما بين السرة والركبة ، ولا يجوز عند خوف الفتنة ، ولا تجوز المضاجعة أيضا لما مر في الحديث. والأصح أن الذمية لا يجوز لها النظر إلى بدن المسلمة لأنها أجنبية في الدين والله تعالى يقول (أَوْ نِسائِهِنَ) أما عورة المرأة مع الرجل فإن كانت أجنبية حرة فجميع بدنها عورة لا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه والكفين لأنها تحتاج إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إخراج الكف للأخذ والإعطاء. ويعني بالكف ظهرها وبطنها إلى الكوعين. وقيل : ظهر الكف عورة. وفي هذا المقام تفصيل : قال العلماء : لا يجوز أن يعمد النظر إلى وجه الأجنبية بغير غرض فإن وقع بصره عليها بغتة غض بصره لقوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) ولقوله صلىاللهعليهوسلم «يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة» (٢) فإن كان هناك غرض ولا شهوة ولا فتنة فذاك والغرض أمور منها : أن يريد نكاح امرأة فينظر إلى وجهها وكفها. روى أبو هريرة أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا. ومنها إذا أراد شراء جارية فله
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الحيض حديث ٧٤. الترمذي في الكتاب الأدب باب ٣٨.
(٢) رواه أبو داود في كتاب النكاح باب ٤٣. الترمذي في كتاب الأدب باب ٢٨. الدارمي في كتاب الرقاق باب ٣. أحمد في مسنده (٥ / ٣٥١ ، ٣٥٣).