حملوا الزينة على ما عدا الخلقة فذهبوا إلى أنه تعالى إنما حرم النظر إليها حال اتصالها ببدن المرأة لأجل المبالغة في حرمة النظر إلى أعضاء المرأة إلا ما ظهر من هذه الزينة كالثياب مطلقا إذا لم تصف البدن لرقتها ، وكالحمرة والوسمة في الوجه ، وكالخضاب والخواتيم في اليدين ، وما سوى ذلك يحرم النظر إليه. ولهذا قال (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ) والخمر جمع الخمار وهي كالمقنعة. قال المفسرون : إن نساء الجاهلية كن يسدلن خمرهن من خلفهن وكانت جيوبهن من قدام واسعة فكان ينكشف نحورهن وقلائدهن ، فأمر أن يضربن مقانعهن على الجيوب لتستتر بذلك أعناقهن ونحورهن وما حواليها من شعر وزينة. وفي لفظ الضرب مبالغة في الإلقاء شبيه الإلصاق. وعن عائشة : ما رأيت نساء خيرا من نساء الأنصار ، لما نزلت هذه الآية قامت كل واحدة منهن إلى مرطها فصدعت منه صدعة فاختمرن فأصبحن كأن على رؤوسهن الغربان.
ثم بين أن الزينة الخفية يحل إبداؤها لاثنتي عشرة فرقة : الأولى بعولتهن أي أزواجهن والتاء لتأكيد الجمع كصقورة. الثانية : آباؤهن وإن علوا من جهة الأب والأم. الثالثة : آباء بعولتهن وإن علوا. الرابعة : أبناؤهن وإن سفلوا الخامسة : أبناء بعولتهن وإن سفلوا أيضا. السادسة : إخوانهن سواء كانوا من الأب أو من الأم أو منهما. السابعة : بنو إخوانهن. الثامنة : بنو أخواتهن وحكم أولاد الأولاد حكم الأولاد فيهما. وهؤلاء كلهم محارم وترك من المحارم العم والخال ، فعن الحسن البصري أنهما كسائر المحارم في جواز النظر. وقد يذكر البعض لينبه على الجملة ولهذا لم يذكر المحارم من الرضاع في هذه الآية ، وكذا في سورة الأحزاب قال (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَ) [الآية : ٥٥] إلى آخر الآية. ولم يذكر البعولة ولا أبناءهم. وقال الشعبي : إنما لم يذكرهما الله تعالى لئلا يصفها العم عند ابنه والخال عند ابنه ، وذلك أن العم والخال يفارقان سائر المحارم في أوان أبناءهما ليسوا من المحارم ، فإذا رآها الأب فربما وصفها لابنه وليس بمحرم ومعرفة الوصف قريب من النظر ، وهذا أيضا من الدلالات البليغة على وجوب الاحتياط في التستر. وإنما أبيح إبداء الزينة الخفية لهؤلاء المذكورين لاحتياجهن إلى مداخلتهم ومخالطتهم ولا سيما في الأسفار للنزول والركوب. وأيضا لقلة وقوع الفتنة من جهاتهم لما في الطباع من النفرة عن مماسة القرائب الأقارب. التاسعة : قوله (أَوْ نِسائِهِنَ) فذهب أكثر السلف إلى أن المراد أهل أديانهن ومن هنا قال ابن عباس : ليس للمسلمة أن تتجرد بين نساء أهل الذمة ولا تبدي للكافرة إلا ما تبدي للأجانب إلا أن تكون أمة لها. وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يمنع نساء أهل الكتاب من دخول الحمام مع المؤمنات. وقال آخرون : والعمل عليه إن المراد جميع النساء وقول