يصففن أجنحتهن في الهواء والضمير في علم لكل أو لله عزوجل. وعلى الأول فالضمير في (صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) إما لكل أو لله. والمعنى كل مسبح قد علم صلاته التي تليق بحاله أو صلاة الله التي كلفه إياها ، وعلى الثاني فالضمير فيهما لكل والصلاة بمعنى الدعاء ولا يبعد أن يلهم الله الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التي لا يكاد العقلاء يهتدون إليها ، والاستقصاء في حكاياتهن مذكور في خواص الحيوانات ولا سيما في كتاب عجائب المخلوقات. ثم بين أن المبدأ منه والمعاد إليه فقال (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ) الآية. ثم ذكر دليلا آخر من الآثار العلوية قائلا (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً) أي يسوقه بالرياح (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) أي بين أجزائه أي يجمع قطع السحاب فيجعلها سحابا واحدا متراكما سادا للأفق (فَتَرَى الْوَدْقَ) المطر أو القطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) من فتوقه ومخارجه جمع خلل كجبال في جبل قوله (مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) الأولى لابتداء الغاية والثانية للتبعيض على أن قوله (مِنْ جِبالٍ) مفعول (يُنَزِّلُ) والثالثة للبيان أو الأوليان للبيان والثالثة للتبعيض ، ومعناه أنه ينزل بعض البرد من السماء من جبال فيها وقد مر في أول البقرة في قوله (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) [البقرة : ١٩] معنى البرد وأنه بخار يجمد بعد ما استحال قطرات ماء. قال عامة المفسرين : إن في السماء جبالا من برد خلقها الله فيها كما خلق في الأرض جبالا من حجر. وقال أهل المعنى : السماء هاهنا هو الغيم المرتفع على رؤوس الناس ، والمراد بالجبال الكثرة كما يقال «فلان يملك جبالا من ذهب» ثم بين بقوله (فَيُصِيبُ بِهِ) إلى آخر الآية. أنه يقسم رحمته بين خلقه ويقبضها ويبسطها كيف يشاء ، أو يهلك بالبرد من يشاء أن يعذبه به ويعصم منه من يشاء أن يعصمه ، ويريهم ضياء البرق في السحاب بحيث يكاد يخطف أبصارهم ليعتبروا ويحذروا ، أو يعاقب بين الليل والنهار ويخالف بينهما في الطول والقصر وفي كل ذلك معتبر لذوي الأبصار ، والذين يترقون من المصنوع إلى الصانع ويستدلون بالمحسوس على الغائب منتقلين من ظلمة التقليد إلى نور البرهان. ثم ذكر دليلا ثالثا من عجائب خلق الحيوان فقال (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) قال علماء المعاني : التنكير في (ماءٍ) للتنويع أي خلق كل دابة من نوع من الماء مختص بتلك الدابة ، أو خلق الكل من ماء مخصوص وهو النطفة. وعلى التقديرين الوحدة نوعية إلا أن شموله على التقدير الثاني أكثر. وإنما عرّف في قوله (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : ٣٠] لأنه قصد هناك معنى آخر وهو أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من هذا الجنس الذي هو جنس الماء. وعن القفال أن قوله (مِنْ ماءٍ) صفة (دَابَّةٍ) لا صلة خلق. والمعنى أن كل دابة متولدة من ماء فهي مخلوقة لله تعالى واحترز بها عن الاعتراض الذي ذكرناه في سورة الأنبياء وهو أن بعض الأحياء لم يخلقهم الله من الماء وقيل : نزل الغالب منزلة الكل أو أراد بالدابة من يدب على