بإلى. قال جار الله : والأحسن أن يتصل بمذعنين ليفيد الاختصاص أي لا يتحاكمون إذا عرفوا أن الحق لهم إلا إلى الرسول مسرعين في طاعته. ثم قسم الأمر في صدودهم عن حكومته إذا كان الحق عليهم بين أن يكونوا مرضى القلوب منافقين أو مرتابين في أمر نبوته أو خائفين الحيف في قضائه ، وهذه الأمور وإن كانت متلازمة إلا أنها متغايرة في الاعتبار فصحت القسمة. ثم بين بقوله (بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أنهم لا يخافون حيفه لأنهم عارفون أمانته ولكن الظلم مركوز في جبلتهم وأنهم لا يستطيعون الظلم في مجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلذلك يأبون المحاكمة إليه إذا كان الحق عليهم.
التأويل : للآية تأويلان : أحدهما من عالم الآفاق والآخر من عالم الأنفس. أما الأول فالمشكاة عالم الأجسام ، والزجاجة العرش ، والمصباح الكرسي ، والشجرة شجرة الملكوت وهي باطن عالم الأجسام ، وهي غير راقية إلى شرق الأزل والقدم ولا إلى غرب الفناء والعدم ، بل هي مخلوقة للأبد لا يعتريها الفناء (يَكادُ زَيْتُها) وهو عالم الأرواح (يُضِيءُ) أي يظهر من العدم إلى عالم الصورة المتولدة بالازدواج عالم الغيب والشهادة (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) ونور القدرة الالهية وذلك لقرب طبيعتها من الوجود (نُورٌ عَلى نُورٍ) فالأول نور الصفة الرحمانية والثاني نور العرش فهو كقوله (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥] وفي قوله (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) إشارة إلى أن فيض نور الرحمانية ينقسم على كل من يريد الله تعالى إيجاده من العرش إلى ما تحت الثرى. وأما التأويل الثاني : فالمشكاة الجسد ، والزجاجة القلب ، والمصباح السر ، والشجرة شجرة الروحانية التي خلقت للبقاء كما مر ، والزيت الروح الإنساني القابل لنور العرفان قبولا في غاية القرب ، والنار نار التجلي والهداية في الأزل فإذا انضم إلى نور العقل صار نورا على نور ، وإذا تنور مصباح سر من يشاء بنور القدم تنور زجاجة القلب ومشكاة الجسد ، وتخرج أشعتها من روزنة الحواس فتستضيء أرض البشرية كما قال (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) [الزمر : ٦٩] وهو مقام «كنت له سمعا وبصرا» الحديث : (فِي بُيُوتٍ) هي القلوب (أَذِنَ اللهُ) أمر وأراد (أَنْ تُرْفَعَ) درجاتها من بين سائر الأرواح والنفوس إلى أن تسع الله كما قال «وإنما يسعني قلب عبدي المؤمن» يروى أنه أوحى إلى داود عليهالسلام «فرغ لي بيتا أسكن فيه» فقال : رب أنت منزه عن البيوت. فقال : فرغ لي قلبك. ولن يتأتى هذا الرفع إلا بوساطة ذكر الله فلهذا قال (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ) هي الفوز بدرجات الجنات كما قال (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ) [الصف : ١٠] (وَلا بَيْعٌ) هو بيع الدنيا بالجنة كقوله (إِنَّ اللهَ اشْتَرى) إلى قوله (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ) [التوبة : ١١١] وفيه أن الرجولية لا تتحقق إلا إذا لم يلتفت إلى الدنيا