الجعل بمعنى التعريف كما يقال فيمن بين أن فلانا لص إنه جعله لصا. قال في الكشاف : موقع (أَتَصْبِرُونَ) بعد ذكر الفتنة موقع أيكم بعد الابتلاء في قوله (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الملك : ٢] قلت : أراد أن كلا من الابتلاء والفتنة يستدعي التمييز فيحسن الاستفهام بعده أي يفتنكم ليظهر أنكم تصبرون على البلاء أم لا ، ولعل الأظهر أن الاستفهام غير متعلق بالفتنة وإنما هو مستأنف للوعيد كقوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة : ٩١] ويؤيده قوله (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) عالما بمن صبر ومن لا يصبر فيجازي كلا منهم بحسب ذلك. وقيل : في الآية تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم عما عيروه به من الفقر فقد جعل الأغنياء فتنة للفقراء. وقيل : جعلناك فتنة لهم حين بعثناك فقيرا لتكون طاعة من يطيعك خالصة لوجه الله ، ولو كنت غنيا صاحب كنز كما اقترحوا لم يظهر الطائع من المخلص. وقالت الصوفية : أتصبرون يا معشر الأنبياء على ما يقولون ويا معشر الأمم عما يقولون والله أعلم.
تم الجزء الثامن عشر ، ويليه الجزء التاسع عشر وأوله : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ
لِقاءَنا ...)