ثم بين أن هذه الإنذارات ليست من قبل الرسول ولكنه بالوحي ، ثم مهد عذر الرسول إن لم تنجع فيهم رسالته بأن الصم لا يسمعون دعاء المنذر. واللام في (الصُّمُ) للعهد أي لا يسمع هؤلاء الإنذار فوضع (الصُّمُ) في موضع اسم الإشارة إيذانا بأنهم هم الموسومون بالصمم عن استماع الحق ، ولو كان اللام للجنس لكان الأنسب إطلاق الدعاء لأن الصم لا تسمع الدعاء بشروا أو أنذروا. ثم ذكر أنهم لا يعترفون بالتقصير والظلم إلا عند معاينة العذاب فقال : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ) وفي ذكر المس وبناء المرة من النفح الذي هو بمعنى القلة والنزارة. منه قولهم «نفحه بعطية» أي رضخه ، «ونفحته الدابة» وهو رمح يسير دليل على أنهم في غاية الضعف يجزعون من أدنى أثر من عذاب الله. قوله (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ) المراد من الوضع الإحضار والقسط أي العدل صفة الموازين وإن كان موحدا كقولهم للقوم «إنهم عدل» قاله الفراء. وعن الزجاج أراد ذوات القسط. واللام في (لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) بمعنى الوقت كما يقال «جئت لتاريخ كذا». وقيل : أراد لأجل الحساب يوم القيامة. وقد مر تحقيق الوزن وما يتعلق به من الأبحاث في أول سورة الأعراف. يروى أن داود عليهالسلام سأل ربه أن يريه الميزان ، فلما رآه غشي عليه ثم أفاق فقال : يا إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات؟ فقال : يا داود إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة. وفي قوله (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) بحث بين المعتزلة والأشاعرة وقد مر مرارا (وَإِنْ كانَ) أي الوزن والعمل (مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها) أنت ضمير المثقال باعتبار إضافته إلى الحبة. قيل : الحبة أعظم من الخردلة فكيف قال : حبة من خردل؟ وأجيب بأن الوجه فيه أن تفرض الخردلة كالدينار ثم تعتبر الحبة من ذلك الدينار ، والظاهر أنه أراد الحبة من حيث اللغة. وقوله (مِنْ خَرْدَلٍ) بيان لها لأن الحبة أعم من أن تكون من الخردل أو من الحنطة أو من غيرهما ولكن المبالغة في الأول أكثر ، وذلك أن الخردلة سدس شعيرة وهي نصف سدس ثمن الدينار عند الحساب ونصف سدس سدسه في الشرع ، والحبة ثمن تسع الدينار في عرف حساب فارس والعراق ، فمثقال حبة من خردل يكون على الوجه الأول ثمن تسع خردلة ، وعلى ما قلنا يكون هو الخردل بعينه. والحاصل أن شيئا من الأعمال صغيرا كان أو كبيرا غير ضائع من علم الله وأنه يجازي عليه. رؤي الشبلي في المنام فقيل له : ما فعل الله بك؟ فقال :
حاسبوني فدققوا |
|
ثم منوا فأعتقوا. |
قال في التفسير الكبير : زعم الجبائي أن من استحق مائة جزء من العقاب فأتى بطاعة