التأويل : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ) سماء القلب عن غمام البشرية وهو يوم سعادة الطالبين الصادقين ، ونزل ملائكة الصفات الروحانية (الْمُلْكُ) الحقيقي (يَوْمَئِذٍ لِلرَّحْمنِ) إذ لم يبق غيره ورجع الكل إليه وذلك مقام الوحدة والفناء في الله والبقاء به : (وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) إذ لم يبق من صفات النفوس الكافرة وحظوظها أثر ولا عين : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) نفسه وهو المشرك شركا ظاهرا أو خفيا (عَلى يَدَيْهِ) والآية حكمها عام في كل متحابين اجتمعا على معصية الله تعالى. وعن مالك بن دينار : إنك إن تنقل الحجارة مع الأبرار خير من أن تأكل كل الخبيص مع الفجار. (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) بأن نخلق قلبك بقلب القرآن وكان بذر التوحيد أوقع في قلب النبي صلىاللهعليهوسلم في سر (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] وكان يتربى بما أنزل عليه بل على قلبه منجما ، فلما أورق كان ورقه (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) [الرحمن : ١] فلما أزهر كان زهره (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) [النجم : ١٠] فلما أثمر كانت ثمرته (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [محمد : ١٩] (يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ) لأن توجههم إلى أسفل سافلي الطبيعة فيحشرون منكوسين إلى جهنم البعد عن الحضرة (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) فيه أن نبينا صلىاللهعليهوسلم رآه وقد قال لموسى (لَنْ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] وذلك لبقاء أنانيته (كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) عالم الأجسام (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) في كتم العدم (ثُمَّ جَعَلْنَا) شمس عالم الأرواح على وجود ذلك الظل دليلا بأن كانت محركة لها إلى غاياتها المخلوقة هي لأجلها ، فعرف من ذلك أنه لو لا الأرواح لم تخلق الأجساد ولم تتكون بالأجسام. وفي قوله : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا) إشارة إلى أن كل مركب فإنه سيحل إلى بسائطه إذا حصل على كماله الأخير. وبوجه آخر الظل ما سوى نور الأنوار يستدل به على صانعه الذي هو شمس عالم الوجود وهذا شأن الذاهبين من غيره إليه. وفي قوله (ثُمَّ جَعَلْنَا) إشارة إلى مرتبة أعلى من ذلك وهي الاستدلال به على غيره كقوله : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت : ٥٣] وهذه مرتبة الصديقين. وقوله (ثُمَّ قَبَضْناهُ) كقوله (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ) [القصص : ٨٨] (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) وبوجه آخر الظل هو حجاب الذهول والغفلة والشمس شمس التجلي المعروفة من أفق العناية عند صباح الهداية : (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ) دائما لا يزول وإنما يستدل على الذهول بالعرفان. وفي قوله : (ثُمَّ قَبَضْناهُ) إشارة إلى أن الكشف التام يحصل بالتدريج عند انقضاء مدة التكليف. ثم بين حكمة الإظلال بقوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) ليلة البشرية (لِباساً) كيلا تحترقوا بدوام شمس تجلي الربوبية ، وجعل ليوم الغفلة راحة بعد سطوة التجلي ، وجعل نهار العرفان نشورا أي حياة بنور الربوبية (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ) رياح الإشراق على قلوب الأحباب فتزعجها عن المساكنات عند الستر فلا تستقر إلا بالكشف والتجلي (وَأَنْزَلْنا) من سماء