الإكرام والسبب أن أمر بني آدم أشكل وحالهم أصعب (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من خجالة قولهم (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) [البقرة : ٣٠] (وَما خَلْفَهُمْ) من الأمر بسجود آدم والاستغفار لمن في الأرض (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني أنهم رأوها في عالم الأرواح لأنها خلقت قبل الأجساد بألفي عام ، وفي رواية بأربعة آلاف سنة (كانَتا رَتْقاً) أي كانت سموات الأرواح متعلقة بأرض القوالب (فَفَتَقْناهُما) بالمفارقة وقطع التعلق (وَجَعَلْنا مِنَ) ماء حياة العلم (كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) بالحياة الأبدية (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ) أرض القالب (رَواسِيَ) هي هموم العلائق البدنية (أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) فلولاها لمالت كل نفس إلى عالمها وبطل الغرض من التكليف ، ويمكن أن يكون الرواسي إشارة إلى الأبدال الذين هم أوتاد الأرض بهم يرزق ويمطر الناس (فِجاجاً سُبُلاً) هي طرق الإرشاد والتسليك (وَجَعَلْنَا) سماء القلب (سَقْفاً مَحْفُوظاً) من وساوس شياطين الإنس والجن (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ) ليل البشرية ونهار الروحانية وشمس المعرفة وقمر الإسلام (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) فأهل الإسلام في فلك الشريعة ، وأهل الإيمان في فلك الطريقة ، وأهل الولاية في فلك أطوار الحقيقة (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) أما النفس الحيوانية فلأن من خواصها أن تصير الغذاء من جنسها فلا جرم إذا عجز الغذاء عن التشبيه بها لعجز القوة الغاذية حل أجلها ، وأما النفس الناطقة فلأن من خواصها أنها تصير من جنس غذائها وهو الكمالات العلمية والعلمية التي هي فيوض ربانية يتجوهر الروح بجوهرها فيحصل له الفناء عن وجوده والبقاء بشهود ربه (وَنَبْلُوكُمْ) بالمكروهات التي تسمونها شرا بالمحبوبات التي تحسبونها خيرا (فِتْنَةً) فربما كان الأمر عكس ما تصورتم (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) اختيارا وقهرا (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) فيه أن الأغيار لا ينظرون إلى الأخيار إلا بعين الإنكار (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) بالنسبة إلى خلق السموات والأرض وما بينهما فإنها خلقت في ستة أيام وخمرت طينة آدم أربعين صباحا مع أن فيها أنموذجا من الكل واستعدادا لقبول الخلافة وقابلية تجلي الذات والصفات ومظهرية الكنز الخفي وأشار إلى هذه المعاني بقوله (سَأُرِيكُمْ آياتِي) أي في مظاهر الآفاق ومرايا أنفسكم بالتدريج وبالتربية في كل طور (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) فإن حد الاستكمال من المهد إلى اللحد بل من الأزل إلى الأبد وهذا منطق الطير لا يفهمه إلا سليمان الوقت. ويمكن أيضا أن يقال : إن الروح الإنساني أول شيء تعلقت به القدرة وهذا معنى العجلة (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ) فيه أن ملوك الأرض لو حرسوهم (بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) من الخصوم والأعداء فمن لهم حتى يحفظوهم في ليل البشرية ونهار الروحانية من سطوات قهر الجلال الذي الرحمانية من صفاته كما أن الرحيمية من صفات الجمال ، فلو وكلهم بالخذلان إلى ظلمة البشرية بقوا في الجهل ، ولو وكلهم بالإضلال في نور المعقولات تاهوا في أودية الحيرة والحجب النورية ، والمنع من