فلهذا قال (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) والثاني أقرب إلى الحس فلهذا قال (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) ولما انجر الكلام إلى حد العناد والمخاشنة هدده فرعون بقوله : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) وهذا أبلغ من أن لو قال : «لأسجننك» والمعنى لأجعلنك واحدا ممن عرفت حالهم في سجوني وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه يطرحه في هوة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فردا لا يبصر فيها ولا يسمع ، وحينئذ عدل موسى إلى الحجة الأصلية في الباب وهو ادعاء المعجز المنبئ عن صدقه فقال (أَوَلَوْ جِئْتُكَ) أي أتفعل فيّ ذلك ولو جئتك بشيء أي جائيا بالمعجزة. وفي قوله (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) إن سلم أنه قاله جدا لا هزلا وجدالا دلالة على ما ركز في العقول من أن دعوى الرسالة إن اقترنت بظهور المعجزة على يده تحقق صدقها. وقد شنع في الكشاف هاهنا أن في أهل القبلة من خفي عليهم ما لم يخف على فرعون حتى جوزوا القبيح عليه سبحانه ولزمهم تصديق الكاذبين بالمعجزات. وفي التخطئة سهو من وجهين : أحدهما : أنه لا قبيح عند الأشاعرة عقلا. والثاني أنه على تقدير التسليم لا يلزم تجويز كل قبيح وهذا من ذلك للزوم الاشتباه. وباقي القصة سبق نظيرها في «الأعراف» فلنقتصر في التفسير على ما يختص بالسورة. قوله (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ) قال في الكشاف : الظرف في محل النصب على الحال. وأقول : الأصوب أن يجعل نعتا للملأ أي الأشراف حوله على طريقة قوله :
ولقد أمرّ على اللئيم يسبني
قوله (لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) اليوم يوم الزينة وميقاته وقت الضحى كما مر في «طه». قوله (هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ) استبطاء لهم في الاجتماع وحث عليه كقول الرجل لغلامه : هل أنت منطلق إذا أراد أن يحثه على الانطلاق. قوله (لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ) لم يكن غرضهم اتباع السحرة في دينهم وإنما غرضهم الأصلي أن لا تتبعوا موسى ، فساقوا الكلام مساق المجاز لأنهم إذا اتبعوهم لم يكونوا متبعين لموسى. قوله (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ) هي من أيمان الجاهلية ولا يصح الحلف في الإسلام إلا بالله تعالى وبصفاته كما مر في «البقرة» و «المائدة». وقوله (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ) لم يسم فاعله وهو الله تعالى في الحقيقة حين ألقى داعية الإيمان في قلوبهم ويجوز أن ينسب إلى ما عاينوا من المعجزات الباهرة ولك أن لا تقدر فاعلا أي خروا. قوله (لا ضَيْرَ) أي لا ضير علينا فيما يتوعدنا به من القتل.
قوله (إِنَّا نَطْمَعُ) الطمع في هذا الموضع يحتمل اليقين كقول إبراهيم (وَالَّذِي أَطْمَعُ