فرعون أيضا أي أدنينا بعضهم من بعض وجمعناهم حتى لا ينجو منهم أحد ، ويجوز أن يراد قدمناهم إلى البحر. وقرىء وأزلقنا بالقاف أي أزللنا أقدامهم حسا بأن لم يكن لهم البحر يبسا كما كان لبني إسرائيل ، أو عقلا أي أذهبنا عزهم. والبحر بحر القلزم أو بحر من وراء مصر يقال له أساف. قالت الأشاعرة : إنه تعالى أضاف الإزلاف إلى نفسه مع أن اجتماعهم في طلب موسى كفر. أجاب الجبائي بأن قوم فرعون تبعوا بني إسرائيل وبنو إسرائيل إنما فعلوا ذلك بأمر الله تعالى ، فلما كان مسيرهم بتدبير الله وهؤلاء تبعوهم أضافه إلى نفسه توسعا ، وهذا كما يتعب أحدنا في طلب غلام له فيجوز أن يقول : أتعبني الغلام لما حدث ذلك عند فعله. أو المراد أزلفناهم إلى الموت والأجل. وقال الكعبي : أراد أنه جمع تفرقهم كيلا يصلوا إلى موسى وقومه ، أو أراد أنه حلم عنهم وترك لهم البحر يابسا حتى طمعوا في دخوله. واعترض بأن كل ذلك لا بد أن يكون له أثر في استجلاب داعية قوم فرعون إلى الذهاب خلفهم فيعود المحذور. (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي حدث في البحر من إنجاء البعض وإغراق البعض أو في ذلك الذي ذكر من القصة بطولها (الْآيَةَ) عجيبة للمتدبر المتفكر في الأمور الإلهية (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) حين سألوا بعد النجاة أن يجعل لهم موسى إلها غير الله ، واتخذوا العجل ، واقترحوا اقتراحات خارجة عن قانون الأدب. ويحتمل أن يعود الضمير إلى هذه الأمة بدليل (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) [الشعراء : ٦٩] وفيه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقد كان يغتم بتكذيب قومه بعد ظهور المعجزات ونزول الآيات.
التأويل : الطاء طوله في كمال عظمته ، والسين سلامته عن كل عيب ونقص ، والميم مجده الذي لا نهاية له. أو الطاء طهارة قلب نبيه عن تعلقات الكونين ، والسين سيادته على الأنبياء والمرسلين ، والميم مشاهدته جمال رب العالمين. أو الطاء طيران الطائرين بالله ، والسين سير السائرين إلى الله ، والميم مشي الماشين لله الذين يمشون على الأرض هونا. (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ) من سماء قلوبهم (آيَةً) من واردات الحق (فَظَلَّتْ) أعناق نفوسهم (لَها خاضِعِينَ فَسَيَأْتِيهِمْ) بعد مفارقة الأرواح الأجساد (أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) لظهور نتائج معاملاتهم الخبيثة على أرواحهم (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى) أرض قلوب العارفين (كَمْ أَنْبَتْنا فِيها) من أشجار أصناف الإيمان والتوكل واليقين والإخلاص وسائر الأخلاق الكريمة (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) لأن جناب الحق لعزته يجل عن أن يكون شرعة لكل وارد (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يوجد بالسعي (الرَّحِيمُ) حين أدرك أولياءه بجذبات العناية كما أدرك موسى حين ناداه من الشجرة ، وذلك لأنه جعله مظهر لطفه كما أنه جعل فرعون مظهر قهره فصار من العتوّ والاستكبار في غاية الكمال. ويعلم منه أن الإنسان له استعداد في مظهرية