هذا الدعاء لما يعقبه من حديث يوم القيامة وأهوالها وأحوالها فأراد أن لا ينقطع نظم الكلام. وفي قوله (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) إشارة إلى ما وصفه الله به في قوله تعالى (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الصافات : ٨٤] وفي هذا الاستثناء وجوه منها : أنه منقطع والمضاف محذوف أي إلا حال من أتى الله بقلب سليم والمراد بالحال سلامة القلب والمعنى : أن المال والبنين لا ينفعان وإنما ينفع سلامة القلب عن الأمراض الروحانية كالجهل وسائر الأخلاق الذميمة ، ويندرج في سلامة القلب سلامة سائر الجوارح لأنه رئيسها. ولا شك أن المال والبنين ليسا من جنس سلامة القلب فيكون الاستثناء منقطعا. ومنها أنه متصل وذلك على وجهين : أحدهما لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه. وثانيهما أن يجعل من باب قولهم :
تحية بينهم ضرب وجيع
والمضاف المحذوف الحال أو السلامة نظيره أن يقال لك : هل لزيد مال وبنون؟ فتقول : ماله وبنوه سلامة قلبه تريد نفي المال والبنين عنه وإثبات سلامة القلب له بدلا عن ذلك. ومنها أن يكون الموصول مفعولا لينفع والاستثناء مفرغ أي لا ينفع مال ولا بنون أحدا إلا رجلا سلم قلبه مع ماله وبنيه حيث أنفقه في طاعة الله وما قصر في باب تأديبهم وإرشادهم ، أو سلم قلبه من فتنة المال والبنين فلم يكفر ولم يعص. وقد يفسر السليم بالذائب من خشية الله تعالى.
وحين انجرّ الكلام إلى ذكر يوم القيامة وصف الله تعالى أو إبراهيم أحواله وأهواله فقال (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) قال المفسرون : الجنة تقرب من موقف السعداء ليكون لهم فرجا معجلا ، وتجعل النار بارزة مكشوفة للأشقياء ليزدادوا غما وحسرة ، ولمثل هذا اليوم وبخهم بقوله (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) يعني الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله هل ينفعونكم بنصرتهم لكم أو هل ينفعون أنفسهم بانتصارهم لأنهم وآلهتهم وقود النار وذلك قوله (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ) أي الآلهة (وَالْغاوُونَ) الذين عبدوهم قال جار الله : الكبكبة تكرير الكب جعل التكرير في اللفظ دليلا على التكرير في المعنى كأنه إذا ألقى في جهنم ينكب مرة بعد مرة حتى يستقر في قعرها أعاذنا الله منها. والمراد بجنود إبليس شياطينهم أو متبعوه من عصاة الجن والإنس. (قالُوا) يعني الغاوين وجنود إبليس (وَهُمْ) يعني والحال أن الأصنام وعبدتهم (فِيها يَخْتَصِمُونَ) قال أكثر المفسرين : يجوز أن ينطق الله الأصنام بحيث