الدنيا فلهذا ذكر البعض. ثم ذكر أنه متفضل عليهم بتأخير العقوبة في الدنيا ولكنهم لا يشكرون هذه النعمة فيستعجلون وقوع العقاب بجهلهم ، وفيه دليل على أن نعمة الله تعم الكافر والمؤمن. ثم بين أنه مطلع على ما في صدورهم مما يخفون كالقصود والدواعي وعلى ما يظهرون من أفعال الجوارح وغيرها ، ولعل الغرض أنه يعلم ما يخفون وما يعلنون من عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومكايدهم وهو معاقبهم على ذلك. ثم أكد ذلك بأن المغيبات كلها ثابتة في اللوح المحفوظ ، والعاقبة إما مصدر كالعافية ، وإما اسم غير صفة كالذبيحة والربيئة ، وإما صفة والتاء للمبالغة كالراوية في قولهم «ويل للشاعر من راوية السوء» كأنه قيل : وما من شيء شديد الغيبوبة إلا وهو مثبت في الكتاب الظاهر المبين لمن ينظر فيه من الملائكة. ثم بين لدفع شبه القوم إعجاز القرآن المطابق قصصه لما في التوراة والإنجيل مع كونه صلىاللهعليهوسلم أميا ، والمطابق غرضه لما هو الحق في نفس الأمر ، وقد حرفه بنوا إسرائيل وجهه كاختلافهم في شأن المسيح في كثير من الشرائع والأحكام ، وذكر أنه هدى ورحمة لمن آمن منهم وأنصف أو منهم ومن غيرهم.
ثم ذكر أن من لم ينصف منهم فالله يقضي بينهم بحكمه أي بما يحكم به وهو عدله لأنه لا يقضي إلا بالعدل فسمى المحكوم به حكما (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب فيما يريد (الْعَلِيمُ) بما يحكم وبمن يحكم لهم أو عليهم. ثم أمره بالتوكل وقلة المبالاة بأعداء الدين وعلل ذلك بأمرين : أحدهما أنه على الحق الأبلج وفيه أن صاحب الحق حقيق بالوثوق بنصرة الله ، وثانيهما قوله (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) لأنه إذا علم أن حالهم لانتفاء جدوى السماع كحال الموتى أو كحال الصم الذين لا يسمعون ولا يفهمون والعمي الذين لا يبصرون ولا يهتدون ، صار ذلك سببا قويا في إظهار مخالفتهم وعدم الاعتداد بهم. وقوله (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) تأكيد لأن الأصم إذا توجه إلى الداعي لم يرج منه سماع فكيف إذا ولى مدبرا وهداه عن الضلالة كقولك «سقاه عن العمية». ثم بين أن إسماعه لا يجدي إلا على الذين علم الله أنهم يصدقون بآياته (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) أي مخلصون منقادون لأمر الله بالكلية. ثم هدد المكلفين بذكر طرف من أشراط الساعة وما بعدها فقال (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ) أي دنا وشارف أن يحصل مؤاده ومفهومه (عَلَيْهِمْ) وهو ما وعدوا به من قيام الساعة والعذاب (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ) وهي الجساسة. وقد تكلم علماء الحديث فيها من وجوه : أحدها في مقدار جسمها. فقيل : إن طولها ستون ذراعا. وقيل : إن رأسها يبلغ السحاب. وعن أبي هريرة : ما بين قرنيها فرسخ للراكب. وثانيها في كيفية خلقتها فروي لها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان. وعن ابن جريج في وصفها رأس ثور وعين خنزير وأذن فيل وقرن