يقول الداعي في دعائه. وقال السدي : علم أن الاثنين أقوى من الواحد فلهذا سأل اعترض القاضي بأن هذا من حيث العادة وأما من حيث الدلالة فلا فرق بين معجزة ومعجزتين ، لأن المبعوث إليه في أيهما نظر علم وإن لم ينظر فالحال واحدة. هذا إذا كانت طريقة الدلالة بين المعجزتين واحدة ، فأما إذا اختلف وأمكن في إحداهما من إزالة الشبهة ما لا يمكن في الأخرى فغير ممتنع أن يقال : إنهما بمجموعهما أقوى من واحدة كما قال السدي ، لكن ذلك لا يتأتى في موسى وهارون لأن معجزتهما كانت واحدة.
قال جار الله معنى (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ) سنقوّيك بأخيك إما لأن اليد تشتد بشدة العضد وجملة البدن يقوى على مزاولة الأمور بشدة اليد ، وإما لأن الرجل واشتداده بالأخ شبه باليد في اشتدادها باشتداد العضد. والسلطان التسلط والغلبة والحجة الواضحة. وقوله (بِآياتِنا) إما متعلق بمقدر أي اذهبا بآياتنا ، أو متعلق بظاهر وهو (نَجْعَلُ) أو (فَلا يَصِلُونَ). ويجوز أن يكون بيانا لـ (الْغالِبُونَ) كأنه قيل : بماذا نغلب؟ فقيل : بآياتنا. وامتنع أن تكون صلة لـ (الْغالِبُونَ) لتقدمه ، ويجوز أن تكون قسما جوابه (فَلا يَصِلُونَ) مقدما عليه مثله. ويجوز أن يكون من لغو القسم الذي لا جواب له كقولك «زيد وأبيك منطلق» والمراد الغلبة بالحجة والبرهان في الحال أو بالدولة والمملكة في المآل ، وصلب السحرة بعد تسليم ثبوته لا يقدح في قوله (وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) لأن الدولة الباقية أعلى شأنا و (سِحْرٌ مُفْتَرىً) أي سحر تعمله أنت ثم تنسبه إلى الله فهو كذب من هذا الوجه ، أو سحر ظاهر افتراؤه لا سحر يخفى افتراؤه ، أو سحر موصوف بالافتراء كسائر أنواع السحر فإن كل سحر ففاعله يوهم خلافه فهو المفترى. ومعنى (ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) قد مر في سورة المؤمنين. قال جار الله (فِي آبائِنَا) حال عن (هذا) أي كائنا في زمانهم وأيامهم قلت : لا مانع من أن يكون الظرف لغوا ولا يخلو من أن يكونوا كاذبين في ذلك وقد سمعوا بنحوه ، أو يريدوا أنهم لم يسمعوا بمثله في فظاعته ، أو أرادوا أن الكهان لم يخبروا بمجيء ما جاء به موسى. وكل هذه المقالات لا تصدر إلا عن المحجوج اللجوج الذي قصارى أمره التمسك بحبل التقليد. من قرأ (قالَ مُوسى) بغير واو فعلى طريقة السؤال والجواب. ووجه قراءة الأكثرين أنهم قالوا ذلك (وَقالَ مُوسى) هذا ليوازن العاقل الناظر بين القولين فيتبين له الغث من السمين. وقوله (رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ) إفحام للخصم المعاند إذ لا سبيل إلى دفاعه بالحجة أي يعلم أني محق وأنهم مبطلون. وقوله (وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) يعني العاقبة الحميدة كأن المذمومة غير معتدّ بها ضم طريقة الوعيد إلى الإفحام المذكور. وقيل : معناه ربي أعلم بالأنبياء السالفة فهو جواب لقولهم (ما سَمِعْنا بِهذا) وقال جار الله : (رَبِّي أَعْلَمُ)