(إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) ترغيب في رعاية حقوق الوالدين وترهيب عن عقوقهما وإن كانا كافرين إلا في الدعاء إلى الشرك. وفيه أن المجازي للمؤمن والمشرك إذا كان هو الله وحده فلا ينبغي أن يعق الوالدين لأجل كفرهما. وفي قوله (فَأُنَبِّئُكُمْ) دليل على أنه سبحانه عالم بالخفيات لا يعزب عنه شيء. يروى أن سعد بن أبي وقاص الزهري حين أسلم قالت أمه وهي حمنة بنت أبي سفيان : يا سعد بلغني أنك قد صبأت ، فو الله لا يظلني سقف بيت وإن الطعام والشراب عليّ حرام حتى تكفر بمحمد. وكان أحب ولدها إليها فأبى سعد وبقيت ثلاثة أيام كذلك فنزلت هذه الآية ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم سعدا أن يداريها ويرضيها بالإحسان. ثم أكد جزاء من آمن وعمل صالحا بتكرير قوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) أي في زمرتهم (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) [النساء : ٦٩] قال الحكماء : أي في المجردين الذين لا كون لهم ولا فساد فيدخل فيه العلويات عندهم. ثم بين حال أهل النفاق بعد تقرير حال أهل الكفر والوفاق فقال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) يعني أنا والمؤمنون حقا آمنا ادّعى أن إيمانه كإيمانهم فأخبر أن إيمانه لا تحقيق له بدليل قوله (فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ) أي في سبيله ودينه (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) قال جار الله : أي جعل فتنة الناس صارفة عن الإيمان كما أن عذاب الله صارف للمؤمنين عن الكفر ، وهذا على التوهم أو كما يجب أن يكون عذاب الله صارفا وهذا في الواقع. وقيل : جزعوا من عذاب الناس كما جزعوا من عذاب الله. وبالجملة معناه أنهم جعلوا فتنة الناس مع ضعفها وانقطاعها كعذاب الله الأليم الدائم حتى تردّدوا في الأمر وقالوا : ان آمنا نتعرض للتأذي من الناس ، وذلك أنهم كانوا يمسهم أذى من الكفار ، وإن تركنا الإيمان نتعرض لما توعدنا به محمد فاختاروا الاحتراز عن التعرض العاجل ونافقوا. وإنما قال (فِتْنَةَ النَّاسِ) ولم يقل «عذاب الناس» لأن فعل العبد ابتلاء من الله. وليس في الآية منع من إظهار كلمة الكفر إكراها ، وإنما المنع من إظهارها مع مواطأة القلب التي كانوا عليها.
ومما يؤكد تذبذبهم قوله (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) ويلزمه الغنيمة غالبا (لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) يعني دأب المنافق أنه إذا رأى اليد للكافر أظهر ما أضمر من الكفر ، وإن كان النصر للمؤمن أضمر ما أضمر وأظهر المعية وادّعى التبعية. وفي تخصيص اسم الرب بالمقام إشارة إلى أن التوبة والرحمة هي التي أوجبت النصر. ثم أخبر أنه سبحانه أعلم بما في صدور العالمين منهم بما في صدورهم ، لأنه خبير بما بأنفسهم كما هي وهم لا يعرفون نفوسهم كما هي ، فالتلبيس لا يفيد المنافق بالنسبة إلى الله شيئا لأنه لا يجوز عليه الالتباس دليله قوله (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) وفيه وعد للمؤمنين ووعيد