جعلنا الله تعالى ببركته أهلا لبعض ذلك وهو المستعان. قوله (وَلُوطاً إِذْ قالَ) إعرابه كإعراب قوله (وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ) وقد مر والظاهر أن لوطا يكون قد أمر قومه بالتوحيد والعبادة أوّلا ثم نهاهم عن الفاحشة ثانيا. إلا أن الله تعالى قد حكى عنه ما اختص به وبقومه وهو قوله (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) ويحتمل أن يكونوا موحدين إلا أنهم بسبب الإصرار على الفعلة الشنعاء وتحليلها مع وجود النبي صلىاللهعليهوسلم الناهي عنها صاروا في حكم الكفرة. وإذا كان الزنا فاحشة كما قال (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) [الإسراء : ٣٢] مع أن الزنا لا يفضي إلى قطع النسل فاللواطة أولى بكونها فاحشة لتماديها في القبح ولإفضائها إلى انقطاع النسل ، ويعلم منه احتياجها إلى الزاجر كالزنا بل أولى ويعلم منه افتقارها إلى الرجم بدليل إمطار الحجارة على أهلها. ومعنى (ما سَبَقَكُمْ بِها) أنه لم يأت بمثل هذا الفعل أحد قبلهم أو لم يشتهر به ولم يبالغ فيه أحد وإن ارتكبه بعضهم في الندرة كما يقال : إن فلانا سبق البخلاء في البخل ، واللئام في اللؤم إذا زاد عليهم. ومعنى (تَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) تقضون الشهوة بالرجال مع قطع السبيل المعتاد مع النساء. ويجوز أن يكونوا قطاع الطريق والظاهر يشعر به (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) أي تضمون إلى قبح فعلكم قبح الإظهار. والنادي هو المجلس ما دام فيه الناس. وعن عائشة : كانوا يتجامعون. وعن ابن عباس : هو الحذف ومضغ العلك وحل الإزار والفحش في المزاح والسخرية بمن مر بهم (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ) ولم يهددوه بنحو القتل والتخويف كما في قصة إبراهيم ، لأن إبراهيم كان يقدح في آلهتهم ويشتمهم بتعديد نقائصهم (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) [مريم : ٤٢] فجعلوا جزاءه شر الجزاء. وأما لوط فكان ينكر عليهم فعلهم فهددوه بالإخراج أوّلا (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) [النمل : ٥٦] واقترحوا من عذاب الله ثانيا. ويجوز أن يكون على سبيل الاستهزاء فلا جرم (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) كأنه أيس من توبتهم وإنابتهم ومن أن يلدوا تائبا مطيعا كما قال نوح (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) [نوح : ٢٧] ولعلهم كانوا يفسدون الناس بحملهم على ما كانوا عليه من المعاصي والفواحش طوعا وكرها أو بابتداء الفواحش واقتداء من بعدهم بهم. والبشرى هي البشارة بالولد ، والنافلة إسحق ويعقوب ، وإضافة (مُهْلِكُوا) إضافة تخفيف لا تعريف لأنه بمعنى الاستقبال أو الحال القريب منه لا الماضي ، ولأن المقصود يتضح بذلك لا بوصف الملائكة لمطلق الإهلاك. والقرية سذوم. ثم علل الإهلاك بأن الظلم قد استمر فيهم بناء على أن كان للثبوت والاستمرار ، ويحتمل أن يكون للزمان الماضي فإن هذا القدر يكفي للتعليل والزائد عليه لا تحتاج الملائكة إلى تقريره بخلاف ما في قصة نوح (فَأَخَذَهُمُ