يَعْقِلُونَ) لأن التمثيل إنما يكشف المعاني لأرباب العقول.
ثم شوه صورة الشرك بقوله (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي أشركوا (أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) فهوى العالم ربما يتبدل بالهدى وأما الجاهل فإنه هائم في هواه كالبهائم لا يرجى ارعواه يؤكده قوله (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) والإضلال هاهنا لا يخفى أن الأشاعرة يحملونه على خلق الضلال في المكلف ، والمعتزلة يحملونه على الخذلان ومنع الألطاف وقد تقدم مرارا. ثم قال لرسوله ولأمته تبعية إذا تبين الحق وظهرت الوحدانية (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) أي سدده نحوه غير مائل إلى غيره من الأديان الباطلة (فِطْرَتَ اللهِ) أي الزموها أو عليكم بها. قال جار الله : إنما أضمرته على خطاب الجماعة لقوله (مُنِيبِينَ) وهو حال منهم ولأن الأمر والنهي بعده معطوفان عليه لكنك قد عرفت في الوقوف أن هذا التقدير غير لازم وعلى ذلك يحتمل أن يقدر الزم أو عليك أو أخص أو أريد وأشباه ذلك. وفطرة الله هي التوحيد الذي تشهد به العقول السليمة والنظر الصحيح كما جاء في الحديث النبوي «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه» (١). ويحتمل أن تكون الفطرة إشارة إلى أخذ الميثاق من الذر. وقوله (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) نفي في معنى النهي أي لا تبدلوا خلقه الذي فطركم عليه لكن الإيمان الفطري غير كاف. وقيل : هو تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم حيث لم يؤمن قومه فكأنه قال : إنهم أشقياء ومن كتب شقيا لم يسعد. وقيل : أراد أن الخلق لا خروج لهم عن عبوديته بخلاف مماليك الإنسان فإنهم قد يخرجون من أيديهم بالبيع والعتق. وفيه فساد قول من زعم أن العبادة لتحصيل الكمال فإذا كمل العبد لم يبق عليه تكليف ، وفساد قول الصابئة وبعض أهل الشك أن الناقص لا يصلح لعبادة الله وإنما الإنسان عبد الكواكب والكواكب عبيد الله ، وفساد قول النصارى والحلولية أن الله يحل في بعض الأشخاص كعيسى وغيره فيصير إلها. ومعنى (فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) قد مر في آخر «الأنعام» وأنهم فرق كل واحدة تشايع إمامها الذي أضلها وقال أهل التحقيق : بعضهم يعبد الدنيا وبعضهم يعبد الهوى وبعضهم يريد الجنة وبعضهم يطلب الخلاص من النار. ومعنى (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) قد مر في «المؤمنين» وجوز جار الله أن يكون (مِنَ الَّذِينَ) منقطعا عما قبله و (كُلُّ حِزْبٍ) مبتدأ و (فَرِحُونَ) صفة كل ومعناه من المفارقين دينهم كل حزب بصفة كذا والله أعلم.
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الجنائز باب ٨٠. كتاب تفسير سورة ٣٠ باب ١. مسلم في كتاب القدر حديث ٢٢ ، ٢٣ ، ٢٤ ، أحمد في مسنده (٢ / ٣١٥ ، ٣٤٦).