وعيد أعداء الدين بين حال أولياء الله بقوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) الآية. وقد مر مثله مرارا وفي قوله (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) إشارة إلى أنه لا غالب ولا مناوىء ، يعطي النعيم من شاء والبؤس من شاء حسب ما تقتضيه حكمته وعدله. ثم بين عزته وحكمته بقوله (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ) وقد مر في أول «الرعد». وقوله (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ) مذكور في أول «النحل» و (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) ذكر في أول الشعراء. (هذا) الذي ذكر من السموات بكيفياتها والأرض بهيآتها بسائطها ومركباتها (خَلْقُ اللهِ) أي مخلوقه (فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) وهم الآلهة بزعمهم. وهذا أمر تعجيز وتبكيت فلهذا سجل عليهم بالضلال المبين. ثم بين فساد اعتقاد أهل الشرك بأنه مخالف أيضا لعقيدة الحكماء الذين يعولون على المعقول الصرف منهم لقمان بن باعوراء ابن أخت أيوب أو ابن خالته أو من أولاد آزر ، عاش ألف سنة وأدرك داود عليهالسلام وأخذ منه العلم ، وكان يفتي قبل مبعث داود عليهالسلام ، فلما بعث قطع الفتوى فقيل له؟ فقال : ألا أكتفي إذا كفيت وأكثر الأقاويل أنه كان حكيما. عن ابن عباس : لقمان لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان راعيا أسود فرزقه الله العتق ورضي الله قوله «ووصيته» وحكاها في القرآن. وقيل : خير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة. وقال عكرمة والشعبي : كان نبيا. روي أنه دخل على داود عليهالسلام وهو يسرد وقد لين الله له الحديد ، فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت ، فلما أتمها لبسها وقال : نعم لبوس الحرب أنت. فقال : الصمت حكمة وقليل فاعله. فقال له داود عليهالسلام : بحق ما سميت حكيما. وروي أن مولاه أمره بذبح شاة وبأن يخرج منها أطيب مضغتين فأخرج اللسان والقلب ، ثم أمره بمثل ذلك بعد أيام وأن يخرج أخبث مضغتين فأخرج اللسان والقلب أيضا فسأله عن ذلك فقال : هما أطيب ما فيها إذا طابا ، وأخبث ما فيها إذا خبثا.
ثم فسر الحكمة بقوله (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) لأن إيتاء الحكمة في معنى القول. قال العلماء : هذا أمر تكوين أي جعلناه شاكرا فإن أمر التكليف يستوي فيه الجاهل والحكيم ، وفيه تنبيه على أن شكر المعبود الحق رأس كل العبادة وسنام الحكمة وفائدته ترجع إلى العبد لا إلى المعبود فإنه غني عن شكر الشاكرين مستحق للحمد وإن لم يكن على وجه الأرض حامد. وحين بين كماله شرع في تكميله وذلك لابنه المسمى أنعم أو أشكم. قيل : كان ابنه وامرأته كافرين فما زال يعظهما حتى أسلما. ووجه كون الشرك ظلما عظيما أنه وضع فيه أخس الأشياء ـ وهو الفقير المطلق ـ موضع أشرف الأشياء ـ وهو الغني المطلق ـ ثم وصى الله سبحانه الإنسان بشكر إنعام الوالدين وبطاعتهما وإن كانا كافرين إلا أن يدعواه إلى الإشراك بالله. وهذه جملة معترضة نيط باعتراضها غرضان : أحدهما أن طاعة الأبوين تالية