إن امرأته تدخل عليكم وتعمل وتمس زوجها أما تخافون أن تعدي إليكم علته ، فحينئذ لم يستعملها أحد فتحيرت وكان لها ثلاث ذوائب فعمدت إلى إحداها وقطعتها وباعتها فأعطوها بذلك خبزا ولحما فقال أيوب : من أين هذا؟ قالت : كل فإنه حلال. فلما كان من الغد لم تجد شيئا فباعت الثانية ، وكذلك فعلت في اليوم الثالث وقالت : كل فإنه حلال. فقال : لا آكل أو تخبريني فأخبرته فبلغ ذلك من أيوب ما الله به عليم فقال : (رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ). والرواية الخامسة قيل : سقطت دودة من فخذه فرفعها وردها إلى موضعها وقال : قد جعلني الله طعمة لك فعضته عضة شديدة فقال : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) فأوحى الله إليه : لو لا أني جعلت في كل شعرة منك صبرا لما صبرت. واعلم أن مس الضر هاهنا مطلق إلا أنه ورد في «ص» مقيدا وذلك قوله (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) [ص : ٤١] فصح أن يكون سندا لهذه الروايات إلا أن الجبائي طعن فيها بأن الشيطان كيف يقدر على إحداث الأمراض والأسقام والقادر على ذلك قادر على خلق الأجسام وحينئذ يكون إلها. وأيضا إن هذه التأثيرات تنافي قوله سبحانه حكاية عنه (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) [إبراهيم : ٢٢] والجواب أنه كان بإذن من الله كما حكينا فلا محذور ولا تنافي. وقال : ومن البعيد أنه لم يسأل الله إلا عند أمور مخصوصة والجواب أن الأمور مرهونة بأوقاتها. وقال : انتهاء أمراض الأنبياء إلى حد التنفير من القبول غير جائز. والجواب المنع ولا سيما بشرط العافية في العاقبة. قوله سبحانه (فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ) مجمل يقتضي إعادته إلى ما كان في بدنه وأحواله. وقوله : (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) تفصيل لذلك المجمل وفيه قولان : الأول قال ابن عباس وابن مسعود وقتادة ومقاتل والكلبي : إن الله تعالى أحيا له أهله يعني أولاده بأعيانهم. والثاني قال الليث : أرسل مجاهد إلى عكرمة وسئل عن الآية فقال : أراد أهلك لك في الآخرة وآتيناك مثلهم في الدنيا. فقد روي أن زوجته ولدت بعد ذلك ستة وعشرين ابنا له. ثم بين الحكمة في ذلك الابتلاء ثم الاستجابة بقوله (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) لأيوب (وَذِكْرى) لغيره من العابدين للرحمن أو الرحمة والذكرى كلاهما (لِلْعابِدِينَ) لكي يتفكروا فيصبروا كما صبر حتى يتابوا في الدارين كما أثيب. وإنما خص الرحمة والتذكرة بالعابدين لأنهم هم المنتفعون بذلك لا الذين يعبدون الهوى والشيطان. قال أهل البرهان : إنما قال في هذه السورة (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) وقال في «ص» (رَحْمَةً مِنَّا) [ص : ٤٣] لأنه بالغ هاهنا في الدعاء بزيادة قوله : (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فبالغ في الاستجابة لأن لفظ «عند» يدل على مزيد التخصيص وأنه سبحانه تولى ذلك من غير واسطة.
وحين ذكر صبر أيوب وانقطاعه إليه ذكر غيره من الأنبياء المشهورين بالصبر منهم