عشرون منا حديدا أي هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد. والمراد أن فيه خصلة هي المواساة بنفسه فمن حقها أن يؤتسى بها وتتبع. قال في الكشاف : قوله (لِمَنْ كانَ) بدل من قوله (لَكُمْ) وضعف بأن بدل الكل لا يقع من ضمير المخاطب فالأظهر أنه صفة الأسوة. والرجاء بمعنى الأمل أو الخوف. وقوله (يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) كقولك : رجوت زيدا وفضله أي رجوت فضل زيد ، أو أريد يرجو أيام الله واليوم الآخر خصوصا. وقوله (وَذَكَرَ) معطوف على (كانَ) وفيه أن المقتدي برسول الله صلىاللهعليهوسلم هو الذي واظب على ذكر الله وعمل ما يصلح لزاد المعاد. ثم حكى أن ما ظهر من المؤمنين وقت لقاء الأحزاب خلاف حال المنافقين. وقوله (هذا) إشارة إلى الخطب أو البلاء. عن ابن عباس : كان النبي صلىاللهعليهوسلم قال لأصحابه : إن الأحزاب سائرون إليكم تسعا أو عشرا أي في آخر تسع ليال أو عشر ، فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله وقد وقع. (وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) في كل ما وعد (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً) بمواعيده إلا فساد همهم بقتل نبيهم. وقد عدّ في الكشاف أسماءهم منهم قدار بن سالف عاقر الناقة ، وكانوا مفسدين لا يخلطون الإفساد بشيء من الإصلاح ومن جملة (وَتَسْلِيماً) لقضائه. وقيل : هذا إشارة إلى ما أيقنوا من أن عند الفزع الشديد يكون النصر والجنة كما قال (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا) [البقرة : ٢١٤] إلى آخره. كان رجال من الصحابة نذروا أنهم إذا لقوا حربا ثبتوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى يستشهدوا ، فمدحهم الله تعالى بأنهم صدقوا ما عاهدوا أي صدقوا الله فيما عاهدوه عليه. ويجوز أن يجعل المعاهد عليه مصدوقا على المجاز كأنهم قالوا للمعاهد عليه : سنفي بك فإذا وفوا به صدقوه (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) أي نذره فقاتل حتى قتل كحمزة ومصعب ، وقد يقع قضاء النحب عبارة عن الموت لأن كل حي لا بد له من أن يموت فكأنه نذر لازم في رقبته. (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) الشهادة كعثمان وطلحة (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) ما غير كل من الفريقين عهده. وفيه تعريض بمن بدلوا من أهل النفاق ومرضى القلب فكأنه قال : صدق المؤمنون ونكث المنافقون ، فكان عاقبة الصادقين الجزاء بالخير بواسطة صدقهم ، وعاقبة أصحاب النفاق التعذيب إن شاء الله إلا أن يتوبوا. وإنما استثنى لأنه آمن منهم بعد ذلك ناس وإلى هذا أشار بقوله (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) حيث رحمهم ورزقهم الإيمان ، ويجوز أن يراد يعذب المنافقين مع أنه كان غفورا رحيما لكثرة ذنبهم وقوة جرمهم ولو كان دون ذلك لغفر لهم (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم الأحزاب ملتبسين