الشكر إذا توجه عليه الشكر وبذل وسعه فيه ، أو أراد غفران سائر الذنوب فكأنه وعدهم سعادة الدارين. وعن ثعلب : معناه اسكن واعبد. وحين بين ما كان من جانبه ذكر ما كان من جانبهم وهو قوله (فَأَعْرَضُوا) أي عن الشكر. ثم ذكر جزاءهم بقوله (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) وهو الجرذ. يروى أن بلقيس الملكة عمدت إلى جبال هناك فسدّت ما بينها من الشعب بالصخر والقار فحقنت به ماء العيون والأمطار وتركت فيه خروقا لها أبواب مترتبة بعضها فوق بعض على مقدار ما يحتاجون إليه في سقي أراضيهم ، فلما طغوا سلط الله على سدّهم الخلد فثقبه من أسفله. وقيل : العرم جمع عرمة وهي الحجارة المركوزة والمراد بها المسناة التي عقدوها سكرا. وقيل : العرم اسم الوادي. وقيل : المطر الشديد. والتركيب يدل على الشكاسة وسوء الخلق ومنه قولهم «صبي عارم» من العرام بالضم أي شرس. ومن ذلك «عرمت العظم» عرقته و «عرمت الإبل الشجر» نالت منه (ذَواتَيْ أُكُلٍ) صاحبتي ثمر. والقياس ذاتي إلا أن المستعمل في التثنية هو الجمع. والخمط شجر الأراك. أبو عبيدة : كل شجر ذي شوك. الزجاج : كل نبت أخذ طعما من مرارة حتى لا يمكن أكله. والأثل نوع من الطرفاء لا يكون عليه ثمرة إلا نادرا كالعفص في الطعم والطبع ولكن أصغر. والسدر معروف وهو من أحسن أشجار البادية فلذلك وصفه هاهنا بالقلة. عن الحسن : قلل السدر لأنه أكرم ما بدّلوا ، والتحقيق فيه أن البساتين إذا عمرت كل سنة ونقيت من الحشائش كانت ثمارها زاكية وأشجارها عالية ، فإذا تركت سنين صارت كالغيضة والأجمة والتفت الأشجار بعضها ببعض فيقل الثمر وتكثر الحشائش والأشجار ذوات الشوك على أنه لا يبعد التبديل تحقيقا فيكون شبه المشخ. من قرأ (أُكُلٍ خَمْطٍ) بالإضافة فظاهر ، ومن قرأ بالتنوين فعلى حذف المضاف أي أكل أكل خمط ، أو وصف الأكل بالخمط كأنه قيل : ذواتي أكل بشع. وتسمية البدل جنتين لأجل المشاكلة أو التهكم. قال في الكشاف : الأثل والسدر معطوفان على (أُكُلٍ) لا على (خَمْطٍ) لأن الأثل لا أكل له (ذلِكَ) الإرسال والتبديل (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) النعمة وغمطوها (وَهَلْ نُجازِي) مثل هذا الجزاء وهو العقاب العاجل (إِلَّا الْكَفُورَ) قال بعضهم : المجازاة في النقمة والجزاء في النعمة إلا إذا قيد كقوله سبحانه (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) وقال جار الله : الجزاء عام لكل مكافأة يستعمل في المعاقبة تارة وفي الإثابة أخرى ، فلما استعمل أوّلا في معنى المعاقبة استعمل ثانيا على نحو ذلك. وقيل : إن المجازاة مفاعلة وهي في الأكثر تكون بين اثنين يوجد من كل واحد جزاء في حق الآخر ، ففي النعمة لا يكون مجازاة لأن الله مبتدىء بالنعم. وحين ذكر حال مسكنهم وجنتيهم وحكى تبديل الجنتين بما لا نفع فيه أراد أن يذكر حال خارج بلدهم وما يؤل إليه أمره فقال (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) وهي قرى الشام (قُرىً ظاهِرَةً) متواصلة يرى