التأويل : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ) في أرض البشرية بواسطة الحواس والأغذية الحلال والحرام (وَما يَخْرُجُ مِنْها) من الصفات المتولدة منها. (وَما يَنْزِلُ) من سماء القلب من الفيوض والإلهامات (وَما يَعْرُجُ فِيها) من آثار الفجور والتقوى وظلمة الضلالة ونور الهدى إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من سماء القلب وأرض النفس ، نخسف بهم أرض البشرية بغلبات صفاتها أو يغلب عليهم صفة من صفات القلب بالميل إلى الإفراط فنهلكهم بها كالسخاوة فإنها صفة حميدة لكنها إذا جاوزت حدّ الاعتدال صارت ذميمة (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) [الإسراء : ٢٧] (يا جِبالُ أَوِّبِي) قد مر تأويله في سورة الأنبياء (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) وهو المتكلم بالحكمة على قدر عقول الناس (وَلِسُلَيْمانَ) القلب سخرت ريح العناية وذلك أن مركب القلوب في السير هو الجذبة الإلهية كما أن مركب البدن في المسير البدن. يروى أن سليمان في سيره لاحظ ملكه يوما فمال الريح ببساطه فقال سليمان للريح : استو فقالت الريح : استو أنت فإني لا أكون مستوية حتى تستوي أنت. كذلك حال السر مع القلب وريح العناية إذا زاغ القلب أزاغ الله بريح الخذلان بساط السر (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد : ١١] (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) الحقائق والمعاني وسخرنا له صفات الشيطنة لتعمل بين يديه على وفق أوامر الله ونواهيه كما قال نبينا صلىاللهعليهوسلم «شيطاني أسلم على يدي فلا يأمرني إلا بالخير» (١) (مِنْ مَحارِيبَ) وهو كل ما يتوج إلى الله به بخاصية الإباء والاستكبار وأنفة السجود لغير الله ، ولو وكل القلب والروح إلى خاصية الروحانية التي جبل الروح عليها ما كان يرغب في العبور عن مقام الروحانية كالملائكة. قال جبرائيل عليهالسلام : لو دنوت أنملة لاحترقت. (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ) فيه إشارة إلى مأدبة الله التي يأكل منها الأنبياء والأولياء إذ يبيتون عنده (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ) وهم متولدات الروح فشكر البدن استعمال الشريعة بجميع الأعضاء والحواس ، وشكر النفس بإقامة شرائط التقوى والورع ، وشكر القلب بمحبة الله وحده ، وشكر السر المراقبة ، وشكر الروح بذل الوجود على نار المحبة كالفراش على شعلة الشمعة ، وشكر الخفي قبول الفيض بلا واسطة في مقام الوحدة مخفيا بنور الوحدة عن نفسه. فالعوام شكرهم بالأقوال ، والخواص شكرهم بالأعمال ، وخواص الخواص شكرهم بالأحوال من الاتصاف بصفة الشكورية التي تعطي على عمل. فإن عشرة ثواب باق ولذلك وصفهم بالقلة (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) اتكأ سليمان على عصاه فبعث الله أخس دابة لإبطال متكئه وجعله سببا لزوال ملكه وفوات روحه وكان قبل
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب المنافقين حديث ٦٩ ، ٧٠. الترمذي في كتاب الرضاع باب ١٧. النسائي في كتاب النساء باب ٤. الدارمي في كتاب الرقاق باب ٢٥ ، ٦٦. أحمد في مسنده (١ / ٢٥٧).