تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ) قال جار الله : تقول الشفاعة لزيد على أنه الشافع وعلى معنى أنه المشفوع له أي لا تنفع الشفاعة (إِلَّا) كائنة (لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) من الشافعين أو إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله. و «حتى» غاية لمضمون الكلام الدال على انتظار الإذن كأنه قيل : يتربصون ويقفون مليا فزعين (حَتَّى إِذا فُزِّعَ) أي كشف الفزع في القيامة عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضا (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا) قال (الْحَقَ) أي القول الحق وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى ، يؤيد هذا التفسير قول ابن عباس عن النبي «فإذا أذن لمن أذن أن يشفع فزعته الشفاعة» والتشديد للسلب والإزالة على نحو «قردته وجلدته» أي أزلت قراده وسلخت جلده. وقيل : إن «حتى» على هذا التفسير متعلق بقوله (زَعَمْتُمْ) أي زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع ثم تركتم ما زعمتم وقلتم قال الحق. ومنهم من ذهب إلى أن التفزيع غاية الوحي المستفاد من قل فإنه عند الوحي يفزع من في السموات كما جاء في حديث «إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبرائيل فاذا جاء فزع عن قلوبهم فيقولون : يا جبرائيل ماذا قال ربكم؟ فيقول الحق» (١) أي يقول الحق الحق. وقيل : أراد بالفزع أنه تعالى لما أوحى إلى محمد صلىاللهعليهوسلم فزع من في السموات من القيامة لأن إرسال محمد صلىاللهعليهوسلم من أشراطها فلما زال عنهم ذلك قالوا : ماذا قال الله؟ قال جبرائيل وأتباعه : الحق. وقيل : إنه الفزع عند الموت يزيله الله عن القلوب فيعرف كل أحد أن ما قال الله هو الحق فينتفع بتلك المعرفة أهل الإيمان ولا ينتفع بها أهل الكفر. وحين بين بقوله (قُلِ ادْعُوا) أنه لا يدفع الضر إلا هو أشار بقوله (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ) إلى أن جلب النفع لا يكمل إلا به. وهاهنا نكتة هي أنه قال في دفع الضر (قالُوا الْحَقَ) وفي طلب النفع قال (قُلِ اللهُ) تنبيها على أنهم في الضراء مقبلون على الله معترفون به ، وفي السراء معرضون عنه غافلون لا يتنبهون إلا بمسه. وقوله (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ) من الكلام المنصف الذي يتضمن قلة شغب الخصم وفلّ شوكته بالهوينا. وفي تخالف حرفي الجر في قوله (لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ) إشارة إلى أن أهل الحق راكبون مطية الهدى مستعلون على متنها ، وأن أهل الباطل منغمسون في ظلمة الضلال لا يدرون أين يتوجهون. وإنما وصف الضلال بالمبين وأطلق الهدى لأن الحق كالخط المستقيم واحد ، والباطل كالخطوط المنحنية لا حصر لها فبعضها أدخل في الضلالة من بعض وأبين.
وقوله (عَمَّا أَجْرَمْنا) إلى قوله (عَمَّا تَعْمَلُونَ) أبلغ في سلوك طريقة الإنصاف حيث
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب التوحيد باب ٣١. أبو داود في كتاب السنة باب ٢٠.