المكلفين. وما روي عن ابن عباس أن المراد بالناس المشركون فمن باب إطلاق اسم الجنس على بعضه بالدليل القائم وهو ما يتلوه من صفات المشركين من الغفلة والإعراض وغيرهما. والذكر الطائفة النازلة من القرآن ، وقرىء (مُحْدَثٍ) بالرفع صفة على المحل ، واحتجت المعتزلة بالآية على أن القرآن محدث ، وأجاب الأشاعرة بأنه لا نزاع في حدوث المركب من الأصوات والحروف لأنه متجدد في النزول ، وإنما النزاع في الكلام النفسي الذي لا يصح عليه الإتيان والنزول. وزعم الإمام فخر الدين الرازي رضياللهعنه أن حاصل قول المعتزلة في هذا المقام يؤل إلى قولنا القرآن ذكر ، وبعض الذكر محدث لأن قوله (مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) لا يدل على حدوث كل ما كان ذكرا بل على أن ذكرا ما محدث ، كما أن قول القائل : لا يدخل هذا البلد رجل فاضل إلا يبغضونه ، لا يدل على أن كل رجل يجب أن يكون فاضلا ، وإذا كان كذلك فيصير صورة القياس كقولنا «الإنسان حيوان وبعض الحيوان فرس» وإنه لا ينتج شيئا لأن كلية الكبرى شرط في إنتاج الشكل الأول كما عرف في علم الميزان. قلت : إن المعتزلة لا يحتاجون في إثبات دعواهم إلى تركيب مثل هذا القياس لأن مدعاهم يثبت بتسنيم إحدى مقدمتي القياس الذي ركبه وهي قوله «بعض الذكر محدث» لأنه نقيض ما يدعيه الأشاعرة وهو لا شيء من القرآن بمحدث. وإذا صدق أحد النقيضين كذب بالضرورة ، فظهر أن الإمام غلطهم في هذا القياس الذي ركبه ، ثم لقائل أن يقول تتميما لقول المعتزلة : إذا ثبت أن بعض القرآن محدث لزم أن يكون كله محدثا لأن القائل قائلان : أحدهما ذهب إلى قدم كله ، والثاني إلى حدوث كله ، ولم يذهب أحد إلى قدم بعضه وحدوث بعضه. قال أهل البرهان : إنما قال في هذه السورة (مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) لموافقة قوله بعد هذا (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ) وقال في الشعراء (مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) [الآية : ٥] لكثرة ذكر الرحيم فيها. فكان «الرحمن بالرحيم» أنسب.
قوله تعالى (يَلْعَبُونَ) اللعب الاشتغال بما لا يعني قوله (لاهِيَةً) هي من لهى عنه بالكسر إذا ذهل وغفل. وفيه إن هم إلا كالأنعام بل هم لا يحصلون من الاستماع والتذكير إلا على مثل ما تحصل هي عليه آذانهم تسمع وقلوبهم لا تعي ولا تفقه.
ومعنى (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) بالغوا في إخفائها وجعلوها بحيث لا يفطن أحد لها ولا يعلم أنهم متناجون وفي «واو» أسروا وجهان : أحدهما أنه على لغة من يجوز إلحاق علامة