داوُدَ الْجِبالَ) وهي الأعضاء والجوارح التي فيها ثقل وكثافة (يُسَبِّحْنَ) بتسبيحه (وَالطَّيْرَ) وهن القوى الحيوانية السيارة بل الطيارة بين فضاء القلب والقالب. هذا في الباطن ، وأما في الظاهر فإذا استولى سلطان الذكر على أجزاء البدن انعكس نوره في مرآة القلب إلى ما يحاذيها من الجمادات والحيوانات فيذكر ما يذكره كالحصاة سبحت في يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وعن بعض الصحابة أنه قال : كنا نأكل الطعام ونسمع تسبيحه (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) إن الله تعالى ألهم داود الروح كيفية إلانة القلب الذي هو في القساوة بمنزلة الحديد حتى يتولد من ذلك القلب أوصاف حميدة تحصن الإنسان من بأس الأعداء التي هي النفس والهوى والشيطان. وسخرنا (لِسُلَيْمانَ) القلب ريح الروح الحيواني فإنه مركب الروح الإنساني به يتهيأ له السير إلى مقام بورك له فيه (وَمِنَ الشَّياطِينِ) وهم الأوصاف النفسية (مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) في بحر الحديد فيستخرجون درر الفضائل الإنسية (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) من الوسائط والوسائل إلى تلك الفضائل : (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) من أن يزيغوا عن سواء السبيل ويميلوا عن جادة الشريعة وقانون الطريقة. قال أهل التحقيق : إذا بلغ الإنسان مبلغ الرجال البالغين سخر الله له بحسب مقامه السفليات والعلويات كما سخر لسليمان الريح والجن والشياطين والطير ومن العلويات الشمس حين ردت لأجل صلاته ، وسخر لداود عليهالسلام الجبال والطير والحديد والأحجار التي قتل بها جالوت ، وسخر لنبينا جميع السفليات والعلويات حتى قال «زويت لي الأرض» (١) وقال «أوتيت مفاتيح خزائن الأرض» (٢) وكان الماء ينبع من بين أصابعه. وقال «نصرت بالصبا» وكانت الأشجار تسلم عليه وتسجد له وتنقلع بإشارته من مكانها وترجع ، والحيوانات تتكلم معه وتشهد بنبوته. وقال «أسلم شيطاني على يدي» (٣). وأما من العلويات فقد انشق القمر بإشارته وسخر له البراق وجبرائيل ، وعبر السموات والجنة والنار والعرش والكرسي إلى مقام قاب قوسين أو أدنى. (وَأَيُّوبَ) القلب المبتلى بديوان الهواجس والوساوس الذي فارقه أوصافه الحميدة وأخلاقه الشريفة لشدة تألمه بالعلائق البدنية وعوائق الأمور الدنيوية (فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ) بأن قلنا
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الفتن حديث ١٩. أبو داود في كتاب الفتن باب ١ الترمذي في كتاب الفتن باب ١٤. ابن ماجة في كتاب الفتن باب ٩. أحمد في مسنده (٥ / ٢٧٨).
(٢) رواه البخاري في كتاب الجهاد باب ١٢٢. مسلم في كتاب المساجد حديث ٦ ، ٧. النسائي في كتاب الجهاد باب ١. الدارمي في كتاب المقدمة باب ١٤. أحمد في مسنده (٢ / ٢٦٤ ، ٤٥٠).
(٣) رواه مسلم في كتاب المنافقين حديث ٦٩ ، ٧٠. الترمذي في كتاب الرضاع باب ١٧. النسائي في كتاب النساء باب ٤. الدارمي في كتاب الرقاق باب ٣٥ ، ٦٦. أحمد في مسنده (١ / ٢٥٧) بلفظ «إلا أن الله أعانني عليه فأسلم».