لأجله لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته. وجوّز جار الله أن يكون حالا كأن كل نفسه صارت حسرات لفرط التحسر. وعن الزجاج أن تقدير الآية : أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليهم فحذف لدلالة المذكور وهو فلا تذهب عليه ، أو أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله ، فحذف لأن قوله (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) يدل عليه. ثم بين أن حزنه إن كان لما بهم من الضلال فالله عالم بهم وبما يصنعون لو أراد منهم الإيمان لآمنوا وإن كان لما بهم من الإيذاء فالله عليم بفعلهم فيجازيهم بذلك.
ثم أكد كونه فاعلا مختارا قادرا قهارا مبدئا معيدا بقوله (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ) وهو من الالتفات الموجب للتهويل والتعظيم. وقوله (فَتُثِيرُ) بلفظ المستقبل تصوير لتلك الحالة العجيبة الشأن ، عرف نفسه بفعل الإرسال ثم قال (فَسُقْناهُ) كأنه قال : أنا الذي عرفتني بمثل هذه السياقة والصناعة وأنعمت عليك بهذه النعمة الشاملة. ثم شبه البعث والنشور بالصنع المذكور ووجهه ظاهر. وحين بين برهان الإيمان أشار إلى ما كان يمنع الكفار منه وهو العزة الظاهرة التي كانوا يتوهمونها من حيث إن معبوديهم كانت تحت تسخيرهم والرسول كان يدعوهم إلى الإيمان لطاعة الله وطاعة أنبيائه فكأنه قال : إن كنتم تطلبون حقيقة العزة (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) خاصة كلها فلتطلبها من عنده ومن عند أوليائه نظيره قولك «من أراد النصيحة فهي عند الأبرار» يريد فليطلبها عندهم فاعتبر في هذه الآية حرف النهاية. وأما في قوله (لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون : ٨] فاعتبر الوسائط فالعزة للمؤمنين بواسطة الرسول وله من رب العزة. ثم إن الكفار كأنهم قالوا : نحن لا نعبد من لا نراه ولا نحضر عنده فإن البعد من الملك ذلة فقال (إِلَيْهِ يَصْعَدُ) أي إن كنتم لا تصلون إليه فهو يسمع كلامكم ويقبل الطيب منها وذلك آية العزة ، وأما هذه الأصنام فلا يتبين عندها الذليل من العزيز إذ لا حياة لها ولا شعور وهكذا العمل الصالح لا تراه هذه الأصنام فلا يمكن لها مجازاة الأنام. وفاعل قوله (يَرْفَعُهُ) إن كان هو الله فظاهر ، وإن كان الكلم أعني قوله «لا إله إلا الله» فمعناه أنه لا يقبل عمل إلا من موحد وإن كان هو العمل فالمعنى : أن الكلم وهو كل كلام فيه ذكر الله أو رضاه يريد الصعود إلى الله إلا أنه لا يستطيع الصعود ولا يقع موقع القبول إلا إذا كان مقرونا بالعمل الصالح. عن النبي صلىاللهعليهوسلم «الكلم الطيب هو قول الرجل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر إذا قالها العبد عرج بها الملك إلى السماء فحيا بها وجه الرحمن فإذا لم يكن له عمل صالح لم يقبل منه». وعن ابن المقفع : قول بلا عمل كثريد بلا دسم ، وسحاب بلا مطر ، وقوس بلا وتر. ولا يخفى أن القول هو الأصل والعمل مؤكده فلهذا قدم القول. وحين بيّن حال العمل الصالح ذكر أن المكرات السيئات بائرة كاسدة لا حقيقة لها ، ولعله