أُمَّةٍ) [آل عمران : ١١] (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة : ١٤٣] وعلى هذا ففي تفسير المراتب الثلاثة أقوال أحدها : الظالم الراجح السيئات ، والمقتصد المتساوي الحسنات والسيئات ، والسابق راجح الحسنات. ثانيها الظالم من ظاهره خير من باطنه ، والمقتصد المتساوي ، والسابق من باطنه خير. ثالثها : الظالم صاحب الكبيرة ، والمقتصد صاحب الصغيرة ، والسابق المعصوم. رابعها : عن علي رضياللهعنه : الظالم أنا ، والمقتصد أنا ، والسابق أنا. فقيل له : كيف ذاك؟ قال : أنا ظالم بمعصيتي ، ومقتصد بتوبتي ، وسابق بمحبتي. خامسها : الظالم التالي للقرآن غير العالم به ولا العامل بموجبه ، والمقتصد التالي العالم غير العامل ، والسابق التالي العامل. سادسها : الظالم الجاهل ، والمقتصد المتعلم ، والسابق العالم. سابعها : الظالم من يحاسب فيدخل النار وهو أصحاب المشأمة ، والمقتصد من يحاسب فيدخل الجنة وهو أصحاب الميمنة ، والسابق من يدخل الجنة بغير حساب. ثامنها : الظالم من خالف أوامر الله وارتكب مناهيه فإنه واضع للتكليف في غير موضعه ، والمقتصد هو المجتهد في أداء التكاليف وإن لم يوفق لذلك فإنه قصد الحق واجتهد ، والسابق هو الذي لم يخالف تكاليف الله بتوفيقه دليله قوله في الأخير (بِإِذْنِ اللهِ) وذلك أنه إذا وقع الخير في نفسه سبق إليه قبل تسويل النفس ، والمقتصد يقع في قلبه فتردّده النفس ، والظالم تغلبه النفس. وبعبارة أخرى من غلبته النفس الأمارة وأمرته فأطاعها ظالم ، ومن جاهد نفسه فغلبته تارة وغلب أخرى فهو المقتصد صاحب النفس اللوامة ، ومن قهر نفسه فهو السابق. وفي تقديم الظالم ثم المقتصد إيذان بأن المقتصدين أكثر من السابقين والظالمون أكثر الأقسام كما قال (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : ١٣] (ذلِكَ) الذي ذكر من التوفيق أو من السبق بالخيرات أو من الإيراث (هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) قال جار الله : أبدل قوله (جَنَّاتُ عَدْنٍ) من الفضل لأنها مسببة عنه وكأنها هو. قلت : ويمكن أن يقال (جَنَّاتُ عَدْنٍ) مبتدأ لأنها معرفة بدليل قوله (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ) [مريم : ٦١] ولئن سلم أنها نكرة فليكن (يَدْخُلُونَها) صفة له وخبرها (يُحَلَّوْنَ) ثم إن ضمير (يَدْخُلُونَها) إن عاد إلى التالين لكتاب الله أو إلى السابقين فلا إشكال ؛ فالظالم يدخل النار والمقتصد يكون أمره موقوفا كقوله (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) [التوبة : ١٠٦] أو كقوله (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) وإن عاد إلى الفرق الثلاث فبشرط العفو أو بشرط التوبة ، وقد يروى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له» وفي تقديم (جَنَّاتُ عَدْنٍ) وبناء الكلام عليها دون أن يقول «يدخلون جنات عدن» إيذان بأن الاهتمام بشأنها أكثر فإن نظر السامع على المدخول فيه لا على نفس الدخول. وقد مرت العبارة الأصلية في سورة الحج في قوله (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ) إلى قوله (حَرِيرٌ) [الآية : ٢٣] وتغيير