تمكن فيه المكلف من إصلاح شأنه إلا أن التوبيخ في العمر الطويل أعظم. عن النبي صلىاللهعليهوسلم «العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة» وروي «من جاوز الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار» وعن مجاهد : ما بين العشرين إلى الستين. وقيل : ثماني عشرة وسبع عشرة. وقوله (وَجاءَكُمُ) معطوف على المعنى كأنه قيل : قد عمرناكم وجاءكم (النَّذِيرُ) وهو النبي صلىاللهعليهوسلم. وقيل : الشيب. فبين بالجملتين أن القابل موجود والفاعل حاصل ، فالعذر غير مقبول (فَذُوقُوا) العذاب (فَما لِلظَّالِمِينَ) الذين وضعوا أعمالهم في غير موضعها وأتوا بالمعذرة في غير وقتها (مِنْ نَصِيرٍ) نفى الأنصار والناصرين في آخر «آل عمران» وفي «الروم» ووحد هاهنا كأنهم في النار قد أيسوا من كثير ممن كانوا يتوقعون منهم النصرة إلّا من نصير واحد وهو الله سبحانه. ثم كان لسائل أن يسأل : ما بال الكافر يعذب أبدا وإنه ما كفر إلا أياما معدودة فلا جرم قال (إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فكان يعلم من الكافر أن الكفر قد تمكن في قلبه بحيث لو دام إلى الأبد لما أطاع الله ولا عبده. وذات الصدور صواحباتها من الظنون والعقائد فذو موضوع لمعنى الصحبة ، فالصدور ذات العقائد والعقائد ذات الصدور باعتبار أنها تصحبها. وحين ذكرهم بما مر من أنه سوف يوبخهم بالتعمير وإيتاء العقول وإرسال من يؤيد المعقول بالمنقول وعظهم بأنه (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ) وفقد العاطف هنا خلاف ما في آخر «الأنعام» للعدول عن خطاب أهل الآخرة إلى خطاب أهل الدنيا. وقال هاهنا (خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) بزيادة «في» المفيدة لتمكن المظروف في الظرف لأجل المبالغة والترقي من الأدنى إلى الأعلى كأنه قيل : أمهلتم وعمرتم وأمرتم على لسان الرسل بما أمرتم وجعلتم خلفاء الهالكين الماضين فأصبحتم بحالهم راضين (فَمَنْ كَفَرَ) بعد هذا كله (فَعَلَيْهِ) وبال (كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً) لأن الكافر السابق ممقوت واللاحق الذي أنذره الرسول ولم ينتبه أمقت لأنه رأى عذاب من تقدّمه ولم يتنبه (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً) فإن العمر كرأس مال من اشترى به رضا الله ربح ومن اشترى به سخطه خسر. ثم وبخ أهل الشرك بقوله (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) وأبدل منه (أَرُونِي) كأنه قال : أخبروني عن هؤلاء الشركاء ، أروني أيّ جزء من أجزاء الأرض استبدّوا بخلقه (أَمْ لَهُمْ) مع الله (شِرْكٌ فِي) خلق (السَّماواتِ) أم معهم أو مع عابديهم كتاب من عند الله فهم على برهان من ذلك الكتاب. والإضافة في (شُرَكاءَكُمُ) لملابسة العبادة ، أو المراد كونهم شركاءهم في النار كقوله (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ) وهم الرؤساء (بَعْضاً) وهم الأتباع (إِلَّا غُرُوراً) [يونس : ١٨] وهو قولهم (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا) وحين بين عجز الأصنام أراد أن يبين كمال القدرة فقال (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي يمنعهما من (أَنْ