رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال «تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة فهلكت سبعون وخلصت فرقة وأن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة وتخلص فرقة واحدة قالوا : يا رسول الله ومن الفرقة الناجية؟ قال : الجماعة الجماعة» (١) فهذا الحديث مفسر للآية من حيث إن هذه الأمة يجب أن يكونوا على كلمة واحدة. طعن بعضهم في الحديث أنه إن أراد بالاثنتين والسبعين فرقة أصول الأديان فإنها لا تبلغ هذا العدد ، وإن أراد الفروع فإنها أضعاف هذا العدد. وأجيب بأنه أراد ستفترق أمتي هذا العدد في حال ما ، وهذا لا ينافي كون العدد في بعض الأحوال أنقص أو أزيد. قال أهل البرهان : إنما قال في هذه السورة (فَاعْبُدُونِ وَتَقَطَّعُوا) بالواو وفي «المؤمنين» (فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا) [الآية : ٥٣] بالفاء لأن الخطاب هاهنا أعم والعبادة أعم من التقوى. وأيضا الخطاب يتناول الكفار وقد وجد منهم التقطع قبل هذا القول ، وفي سورة المؤمنين الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين بدليل قوله (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) [الآية : ٥١] ثم قال : (فَتَقَطَّعُوا) [الآية : ٥٣] أي ظهر منهم أي من أمتهم التقطع بعد هذا القول ولأن التقطع منهم أغرب أكده هناك بقوله (زُبُراً) وفي قوله (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) وعيد عظيم للفرق المختلفة. ثم فصل مآل لهم بقوله (فَمَنْ يَعْمَلْ) الآية والكفران مثل في حرمان الثواب كما أن الشكر مثل في إعطائه في قوله (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [الإسراء : ١٩] وإنما لم يقل «فلا يكفر سعيه» لأن نفي الجنس أبلغ فإن نفي الماهية يستلزم نفي جميع أفرادها. وفي قوله (وَإِنَّا لَهُ) أي لذلك السعي (كاتِبُونَ) مبالغة أخرى فإن المثبت في الصحيفة أبعد من النسيان والغلط كما قيل : قيدوا العلم بالكتابة. ولا سيما إذا كان الكاتب ممن لا يجوز عليه السهو والنسيان. قال المفسرون : معناه حافظون لنجازي عليه. وقيل : مثبتون في أم الكتاب أو في صحف الأعمال. هذا حال السعداء وأما أحوال أضدادهم فذلك قوله (وَحَرامٌ) ومن قرأ حرم فإنه فعل بمعنى مفعول. والتركيب يدور على المنع أي ممتنع أو ممنوع وهذا خبر لا بد له من مبتدأ وذلك قوله (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أو غير ذلك. والرجوع إما الرجوع عن الشرك إلى الإسلام أو الرجوع إلى الدنيا أو إلى الآخرة. وعلى الأول إما أن تكون «لا» زائدة أقحمت للتأكيد ومعنى الآية ممتنع على أهل قرية عزمنا على إهلاكها أو قدرنا إهلاكها أن يرجعوا أو يتوبوا إلى أن تقوم الساعة والمراد تصميمهم على الكفر. وإما أن تكون معيدة ولكن الحرام بمعنى الواجب تسمية لأحد الضدين باسم الآخر باشتراكهما في المنع إلا أن الوجوب منع عن
__________________
(١) رواه أبو داود في كتاب السّنة باب ١. الترمذي في كتاب الإيمان باب ١٨. ابن ماجة في كتاب الفتن باب ١٧. أحمد في مسنده (٢ / ٣٢٢) (٣ / ١٢٠).