وقوله (فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) بتقديم الجار للدلالة على أن الحب هو معظم قوت الإنسان وبه قوام معاشه عادة ، فنفس الأرض آية فإنها مهدهم الذي فيه تحريكهم واستكانهم والأمر الضروري الذي عنده وجودهم وإمكانهم. وسواء كانت ميتة أو لم تكن فهي مكان لهم ، ثم إحياؤها مخضرة نعمة ثانية فإنها أحسن وأنزه ، ثم إخراج الحب منها نعمة ثالثة فإن قوتهم إذا كان في مكانهم كأن أجمع للقوّة والفراغ. ثم جعل الجنات فيها نعمة رابعة موجبة للتفكه وسعة العيش ، ثم تفجير العيون فيها نعمة خامسة لأن ماء السماء لا يحصل الوثوق بنزوله في كل حين فذلك كالشيء المدخر القريب التناول. والضمير في قوله (مِنْ ثَمَرِهِ) يعود إلى الله ، وفائدة الالتفات أن الثمار بعد وجود الأشجار وجريان الأنهار لا توجد إلا بتخليق الملك الجبار ، ويحتمل أن يعود إلى المذكور وهو الجنات أو إلى التحصيل وترك ذكر الأعناب لأن حكمه حكم النخيل. وقيل : إلى التفجير المدلول عليه بسياق الكلام أي ليأكلوا من فوائد التفجير وهو أعم من الثمار ، ويشمل جميع ما ذكره في قوله (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) إلى قوله (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) [عبس : ٢٥ ـ ٣١] وقوله (وَما عَمِلَتْ) من قرأ بغير هاء الضمير فما موصولة أو مصدرية أي ليأكلوا من ثمر الله ومن ثمر ما عملته أو من ثمر عمل أيديهم ، أو نافية فيكون إشارة إلى أن الثمر خلق الله ولم تعمله أيدي الناس ولا يقدرون عليه ، ومن قرأ مع الضمير فما موصولة والضمير لها أو نافية والضمير للتفجير أو المذكور. ومعنى عمل الأيدي ما يتكابده الناس من الحرث والسقي وغير ذلك. هذا إذا جعلت «ما» موصولة ، فإن كانت نافية فالمراد الإيجاد والخلق. وقيل : عمل الأيدي التجارة. وقيل : الطبخ ونحوه.
ثم نزه نفسه بقوله (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ) أي الأصناف والمراد بقوله (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) أزواج لم يطلع الله الإنسان عليها بطريق من طرق المعرفة (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر : ٣١] (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة : ١٧] قالت الأشاعرة : فيه دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله لأن أفعالهم أعراض وهي داخلة تحت الأجناس. وقوله (مِمَّا تُنْبِتُ) لا يخرجه عن العموم لأن البيان متعدّد نظيره قول القائل : أعطيته كل شيء من الثياب والدواب والعبيد. فإنه يفهم أن تعديد الأصناف لتأكيد العموم يؤيده قوله في الزخرف (الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) [الآية : ٣٦] من غير تقييد. وحين فرغ من الاستدلال بالمكان شرع في الاستدلال بالزمان. ومعنى سلخ النهار من الليل تميزه منه. ومعنى سلخ النهار من الليل تميزه منه. قال جار الله : أصله من سلخ الجلد الشاة إذا ازاله عنها فاستعير لإزالة الضوء وكشفه عن مكان الليل وموضع إلقاء ظله. ومعنى