التأويل : (اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) من الدنيا وشهواتها (وَما خَلْفَكُمْ) من نعيم الجنة ولذاتها (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بمشاهدة الجمال وأنوار الكمال (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) إشارة إلى نفخ إسرافيل المحبة في صور القلب ، فإذا السر والروح والخفي من أجداث أوصاف البشرية (إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) يرجعون بعضها بالسير وبعضها بالطيران (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ) شغلهم الله بالمفاكهة عن المشاهدة كما قال بعض الصوفية : والناس يخرجون من مسجد الجامع هؤلاء حشو الجنة. وللمجالسة أقوام آخرون وهم الفارغون من الالتفات إلى الكونين. قال الله تعالى (فَإِذا فَرَغْتَ) [الشرح : ٧] أي من تعلقات الكونين (فَانْصَبْ) [الشرح : ٧] لطلب الوصال. ويحكى أن الآية قرئت في مجلس الشبلي رضياللهعنه فشهق شهقة وغاب ، فلما أفاق قال : مساكين لو علموا أنهم عم شغلوا لهلكوا. ويحتمل أن يقال : إنهم اليوم أي في الدنيا في شغل بأنواع الطاعات والعبادات من طلب الحق والشوق إلى لقائه كما يحكى عن يحيى بن معاذ أنه قال : رأيت رب العزة في منامي فقال لي : ابن معاذ ، كل الناس يطلبون مني إلا أبا يزيد فإنه يطلبني. ويمكن أن يقال : إنهم اليوم في الدنيا في شغل بالطاعات والرضا بما قسم الله عن طلب اللذات والفوائد وارتكاب المحرمات والزوائد. أو يقال : إنه خطاب للعصاة فإن أهل الله هم المستغرقون في بحار عظمة الله ، وأهل الجنة مشتغلون باستيفاء اللذات وليس للعصاة إلا رحمتي وكرمي كما قال (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) [الزمر : ٥٣] (وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ) في بعض الاخبار المروية أن عبدا لتشهد عليه أعضاؤه بالذلة فتتطاير شعرة من جفن عينه فتستأذن بالشهادة له فيقول الحق تعالى : تكلمي يا شعرة جفن عين عبدي واحتجي عن عبدي. فتشهد له بالبكاء من خوفه فيغفر له وينادي مناد : هذا عتيق الله بشعرة. (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ) إن السالك إذا عمر صار في آخر الأمر إلى الفناء في الله حتى لا يبقى منه ما يستند الفعل إليه. وفي قوله (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) إشارة إلى أن العلوم والصنائع كلها من الله تعالى وبتعليمه وإلهامه. (مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ) وهو شجرة البشرية نار المحبة (تُوقِدُونَ) مصباح قلوبكم. وإنما قال النبي صلىاللهعليهوسلم «إن قلب القرآن يس» لأن ذكره صلىاللهعليهوسلم رمز إليه في أول السورة وفي آخرها. أما الأول فقد مر في تفسير لفظ (يس) وأما الثاني فلأن قوله (فَسُبْحانَ) إلى آخره يدل على المبدأ والمعاد تصريحا ، وعلى الرسالة ضمنا ، ولا ريب أن القلب خلاصة كل ذي قلب ، وإنه صلىاللهعليهوسلم كان خلاصة المخلوقات وكان خلقه القرآن الذي نزل على قلبه ، وكأن فاتحة السورة وخاتمتها مبنية على ذكره منبئة عن سره كالقلب في جوف صاحبه فلأجل هذه المناسبات أطلق على (يس) أنه قلب القرآن والله ورسوله أعلم بأسرار كلامه.