الأجرام الفلكية وما أودع الله فيها من القوى والخواص أسباب حوادث العالم السفلي. ثم حقر أمرهم بقوله (جُنْدٌ ما) وهو خبر مبتدأ محذوف و «ما» مزيدة للاستعظام جارية مجرى الصفة أي هم جند من الجنود. ثم خصص الوصف بقوله (مِنَ الْأَحْزابِ) أي ما هم إلا جند من الكفار المتحزبين على رسل الله مهزوم مكسور عما قريب فلا تبال بهم. قال قتادة (هُنالِكَ) إشارة إلى يوم بدر. وقيل : يوم الخندق. وقيل : فتح مكة فإن مكة هي الموضع الذي ذكروا فيه هذه الكلمات. وقال أهل البيان : هي إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم كقولك لمن ينتدب لأمر «ليس من أهله» «لست هنالك». ثم مثل حالهم بحال من قبلهم من الأمم المكذبة وقصصهم مذكورة مرارا. والذي يختص بالمقام هو أنه وصف فرعون بذي الأوتاد فعن قتادة أنه كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يلعب بها عنده. وقال المبرد : بنى أبنية طويلة صارت كالأوتاد لبقائها. وقيل : هي أوتاد أربعة كان يعذب الناس بها على الأرض أو على رؤوس أخشاب أربعة. وقيل : أراد كثرة أوتاد خيام معسكره. وقيل : أراد ذو جموع كثيرة فبالجمعية يشتد الملك كما يشتد البناء بالأوتاد وهذا قريب. وقول أهل البيان إن أصل هذه الكلمة من ثبات البيت المطنب بأوتاد ، ثم استعير لثبات العز والملك والمقصود على الوجوه كلها. وصف فرعون بالشدة والقوة ونفاذ الأمر ليعلم أنه تعالى أهلك من كان هذه صفته فكيف بمن هو دونه.
قال أبو البقاء : قوله (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) مبتدأ وخبر ، ويجوز أن يكون خبرا والمبتدأ من قوله وعاد أو من ثمود أو من قوم لوط ، قلت : ويحتمل أن يكون (الْأَحْزابُ) صفة (أُولئِكَ) و (أُولئِكَ) بدلا من مجموع المعطوفات والمعطوف عليه. قال جار الله : قصد بهذه الإشارة الإعلام بأن هذه الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم وآباؤهم الذين وجد منهم التكذيب. لقد ذكر تكذيبهم أوّلا في الجملة الخبرية على وجه الإبهام ، ثم جاء بالجملة الاستثنائية أعني قوله (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) فبين أن كل واحد من الأحزاب كذب جميع الرسل لأنهم إذا كذبوا واحدا منهم فقد كذبوا جميعهم (فَحَقَ) أي ثبت أو وجب لذلك عقابي إياهم في الدنيا ثم في الآخرة وذلك قوله (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ) المذكورون. وقيل : أهل مكة : (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) وهي النفخة الأولى (ما لَها مِنْ) توقف مقدار (فَواقٍ) وهو بالفتح والضم زمان ما بين حلبتي الحالب. عن النبي صلىاللهعليهوسلم «العيادة قدر فواق الناقة» ومعنى الآية إذا جاء وقتها لم يمهل هذا القدر. وقيل : الفواق بالفتح الإفاقة أي ما لها من رجوع وترداد لأن الواحدة تكفي أمرهم وما لها رجوع إلى الحالة الأولى بل تبقى ممتدة إلى أن يهلك كلهم واعلم أن القوم إنما تعجبوا لشبهات ثلاث وقعت لهم :