آدم مذكورة في «البقرة» وفي غيرها مشروحة. والتي في هذه السورة يوافق أكثرها ما في الحجر فلا فائدة في إعادتها فلنذكر ما يختص بالمقام قوله (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) كلام المجسمة فيه ظاهر وغيرهم حملوه على وجوه منها : أن اليد عبارة عن القدرة يقال مالي بهذا الأمر يد أي قوّة وطاقة. ومنها أنها النعمة. ومنها أنها للتأكيد وليدل على عدم الواسطة كما مر في قوله (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) [يس : ٧١] وقد يقال في حق من جنى بلسانه وإن لم يكن له هذا مما كسبت يداك. والحق فيه أن السلطان العظيم لا يقدر على عمل شيء بيديه إلا إذا كانت عنايته مصروفة إلى ذلك العمل ، فحيث كانت العناية الشديدة من لوازم العمل باليد أمكن جعله مجازا عنها. ومنها قول أرباب التأويل إنه إشارة إلى صفتي اللطف والقهر وهما يشملان جميع الصفات فلا مخلوق إلا وهو مظهر لإحدى الصفتين ، كالملك فإنه مظهر اللطف ، وكالشيطان فإنه مظهر القهر إلا الإنسان فإنه مظهر لكلتيهما وبذلك استحق الخلافة ومسجودية الملائكة ولهذا جاء في الأحاديث القدسية «لا أجعل ذرّية من خلقت بيديّ كمن قلت له كن فكان» قوله (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) أي أطلبت الكبر من غير استحقاق أم كنت ممن علوت وفقت؟ فأجاب بأنه من العالين حيث (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) وقيل : استكبرت الآن أو لم تزل منذ كنت من المتكبرين. ومعنى الهمزة التقرير. قوله (فَالْحَقُ) من قرأ بالرفع فعلى أنه خبر لما مر أو مبتدأ محذوف الخبر مثل (لَعَمْرُكَ) [الحجر : ٧٢] أي فالحق قسمي لأملان والحق أقوله وهو اعتراض. ومن نصبهما فعلى أن الثاني تأكيد للأوّل ، أو على أن الأوّل للإغراء أي اتبعوا الحق وهو الله سبحانه ، أو الحق الذي هو نقيض الباطل. وقوله (مِنْكَ) أي من جنسك وهم الشياطين (وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) أي من ذريّة آدم. و (أَجْمَعِينَ) تأكيد للتابعين والمتبوعين. ثم ختم السورة بما يدل على الاحتياط والاجتهاد في طلب هذا الدين لأن النظر إما إلى الداعي أو إلى المدعو إليه. أما الداعي فلا يسأل أجرا على ما يدعو إليه وهو القرآن أو الوحي أو النبأ ، ومن الظاهر أن الكذاب لا ينقطع طمعه عن طلب المال البتة. وأما المدعو إليه فقوله (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) الذين ينتحلون ما ليس عندهم ولا دليل لهم على وجوده ، بل العقل الصريح يشهد بصحته فإني أدعوكم إلى الإقرار بالله أوّلا ثم إلى تنزيهه عما لا يليق به ثانيا ، ثم إلى وصفه بنعوت الجمال والجلال ثالثا ومن جملة ذلك التوحيد ونفي الأنداد والأضداد ، ثم أدعو إلى تعظيم الأرواح الطاهرة وهم الملائكة والأنبياء رابعا ، ثم إلى الشفقة على خلق الله خامسا ، ثم أدعو إلى الإقرار بالبعث والقيامة سادسا (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النجم : ٣١] فهذه أصول معتبرة في دين الإسلام يشهد بحسنها بداية العقول ويحكم ببعدها عن الباطل كل من يرجع إلى محصول وهو المراد بقوله (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) عن النبي صلىاللهعليهوسلم «للمتكلف