إرسال الكتاب والاستكمال به وإنما ينتفع به المرسل إليهم. وفي قوله (الْحَكِيمِ) إشارة إلى أنه مشتمل على الفوائد الدينية والدنيوية لا على العبث والباطل. وقوله (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) ليس تكرارا من وجهين : أحدهما أن التنزيل للتدريج والإنزال دفعي كما مر مرارا. والثاني أن الأول كعنوان الكتاب ، والثاني يقرر ما في الكتاب. وقوله (بِالْحَقِ) يعني أن كل ما أودعنا فيه من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد وأنواع التكاليف فهو حق وصدق مؤيد بالبرهان العقلي وهو مطابقته للعقول الصحيحة ، وبالدليل الحسي وهو أن الفصحاء عجزوا عن معارضته. ثم اشتغل ببيان بعض ما فيه من الحق وهو الإقبال على عبادته بالإخلاص والالتفات عما سواه بالكلية. أما الأول فهو قوله (فَاعْبُدِ اللهَ) أي أنت أو أمتك (مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) وآية الإخلاص أن يكون الداعي إلى العبادة هو مجرد الأمر لا طلب مرغوب أو هرب مكروه. وأما الثاني فذلك قوله (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) أي واجب اختصاصه بالطاعة من غير أن يشوب ذلك دعاء أو شرك ظاهر وخفي. وخصصه قتادة فقال : الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله. وحين حث على التوحيد والإخلاص ذم طريقة الشرك والتقليد فقال (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) الضمير للمشركين ولكن الموصول يحتمل أن يكون عبارة عن المشركين والخبر ما أضمر من القول ، أو قوله (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) والقول المضمر حال أو بدل فلا يكون له محل كالمبدل ، وأن يكون عبارة عن الشركاء والخبر (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) والقول المضمر للحال أو بدل. وتقدير الكلام على الأول : والمشركون الذين اتخذوا من دونه أولياء ويقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا ، أو المشركون الذين اتخذوا من دونه أولياء قائلين أو يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم. وعلى الثاني : والشركاء الذين اتخذهم المشركون أولياء قائلين أو يقولون كذا إن الله يحكم بينهم. وإذا عرفت التقادير فنقول : المراد بالأولياء هاهنا الملائكة وعيسى واللات والعزى. قال ابن عباس : كانوا يرجون شفاعتهم وتقريبهم إلى الله أما الملائكة وعيسى فظاهر ، وأما الأصنام فلأنهم اعتقدوا أنها تماثيل الكواكب والأرواح السماوية أو الصالحين. ومعنى حكم الله بينهم أنه يدخل الملائكة وعيسى الجنة ، ويدخلهم مع الأصنام النار. واختلافهم أن الملائكة وعيسى موحدون وهم مشركون والأصنام يكفرون يوم القيامة بشركهم وهم يرجون نفعهم وشفاعتهم. ويجوز أن يرجع الضمير في (بَيْنَهُمْ) إلى الفريقين المؤمن والمشرك. ولا يخفى ما في الآية من التهديد. ثم سجل عليهم بالخذلان والحرمان فقال (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) فكذبهم هو زعمهم شفاعة الأصنام وكفرانهم أنهم تركوا عبادة المنعم الحق وأقبلوا على عبادة من لا يملك لهم ضرا ولا نفعا. ومن جملة كذبهم قولهم الملائكة