المعجل لأنه يستلزمه أو لأن الهلاك رادع لغيرهم فكأنه أنكر به عليهم حتى ارتدعوا ، أو هو بمعنى التغيير لأنه أبدلهم بالنعمة محنة وبالحياة هلاكا وبالعمارة خرابا. قوله (وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ) الأولى في محل النصب على أنها حال ، والثانية لا محل لها لأنها معطوفة على (أَهْلَكْناها) وهذه ليس لها محل. قال أبو مسلم : أراد هي كانت ظالمة فهي الآن خاوية على عروشها وقد مر تفسيرها في البقرة في قوله (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ) [الآية : ١٥٩] قوله (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) عطف على (قَرْيَةٍ) أي وكم بئر عطلناها عن سقائها مع أنها عامرة فيها الماء ومعها آلات الاستقاء ، وكم قصر مشيد مجصص أو مرتفع أخليناه عن ساكنيه؟ فحذف هذه الجملة لدلالة معطلة عليها. وقد يغلب على الظن من هاتين القرينتين أن «على» في قوله (عَلى عُرُوشِها) بمعنى «مع» كأنه قيل : هي خاوية أي ساقطة أو خالية مع بقاء عروشها قاله في الكشاف. وأقول : إذا كانت القرى المهلكة غير البئر والقصر فهذا الظن مرجوح أو مساو لا غالب. يروى أنها بئر نزل عليها صالح مع أربعة آلاف نفر ممن آمن به ونجاهم الله من العذاب وهي بحضرموت ، سميت بذلك لأن صالحا حين حضرها مات وسميت بلدة عند البئر اسمها حاضوراء بناها قوم صالح وأقاموا بها زمانا ثم كفروا وعبدوا صنما وأرسل الله إليهم حنظلة بن صفوان نبيا فقتلوه فأهلكهم الله وعطل بئرهم وخرب قصورهم. يحكى أن الإمام أبا القاسم الأنصاري قال : هذا عجيب لأني زرت قبر صالح بالشام ببلدة يقال لها عكة فكيف قيل : إنه بحضرموت؟ قلت : لا غرو أن يتفق الموت بأرض والدفن بأرض أخرى. ثم أنكر على أهل مكة عدم اعتبارهم بهذه الآثار قائلا (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) حثهم على السفر ليروا مصارع تلك الأمم فيعتبروا. ويحتمل أن يكونوا قد سافروا ولم يعتبروا فلهذا جاء الإنكار كقوله (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [الصافات : ١٣٧ ، ١٣٨] والمراد بالسماع سماع تدبر وانتفاع وإلا كان كلا سماع كما أن المراد بالإبصار إبصار الاعتبار ولهذا قال (فَإِنَّها) أي إن القصة (لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) أي أبصارهم (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) وفي هذا التصور زيادة التمكين والتقرير لغرابة نسبة العمى إلى القلب ، وجوز في الكشاف أن يكون الضمير في (فَإِنَّها) ضميرا مبهما يفسره الأبصار وفاعل (تَعْمَى) ضمير عائد إلى الضمير الأول المبهم. والمعنى على الوجهين أن أبصارهم صحيحة سالمة لا عمى بها وإنما العمى بقلوبهم ، أو لا تعتدوا بعمى الأبصار وإن فرض لأنه ليس بعمى بالإضافة إلى عمى القلوب. وزعم بعضهم أن في الآية إبطالا لقول من جعل محل الكفر الدماغ وليس بقوي فقد يتشاركان في ذلك ، أو يكون سلطانه في القلب والدماغ كالآلة.