زجر أبي عروة السباع إذا |
|
أشفق أن يختلطن بالغنم |
وأبو عروة كنية العباس. زعمت الرواة أنه كان يزجر السباع عن الغنم فيشق مرارة السبع في جوفه. ويروى أن غارة أتتهم يوما فصاح العباس يا صباحاه فأسقطت الحوامل لشدّة صوته. ثم علمهم أدبا أخص فقال (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) أي من جانب البر والخارج مناداة الأجلاف بعضهم لبعض. والحجرة البقعة التي يحجرها المرء لنفسه كيلا يشاركه فيها غيره من الحجر وهو المنع «فعلة» بمعنى مفعولة ، وجمعت لأن كلا من أمهات المؤمنين لها حجرة. روي أن وفدا من بني تميم قدم على النبي صلىاللهعليهوسلم وهو سبعون رجلا منهم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن. فدخلوا المسجد ونادوا النبي صلىاللهعليهوسلم من خارج حجراته كأنهم تفرقوا على الحجرات أو أتوها حجرة حجرة فنادوه من ورائها أو نادوه من وراء الحجرة التي كان فيها ، ولكنها جمعت إجلالا له صلىاللهعليهوسلم. والفعل وإن كان مستندا إلى جميعهم فإنه يجوز أن يتولاه بعضهم لأن رضا الباقين به كالتولي له. وحكى الأصم أن الذي ناداه عيينة والأقرع قالا: أخرج إلينا يا محمد فإن مدحنا زين منا شين. فتأذى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ذلك فخرج إليهم وهو يقول: إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين. فقال لهم: فيم جئتم؟ فقالوا: جئنا بخطيبنا وشاعرنا نفاخرك ونشاعرك. فقال: ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت ولكن هاتوا. فقام خطيبهم فخطب وقام شاعرهم وأنشد فأمر النبي صلىاللهعليهوسلم ثابت بن قيس فقام وخطب وأمر حسانا فقام وأنشد. فلما فرغوا قام الأقرع وقال: والله ما أدري ما هذا ، تكلم خطيبنا وكان خطيبهم أحسن قولا ، وأنشد شاعرنا وكان شاعرهم أشعر. ثم دنا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله. وعن زيد بن أرقم أنهم قالوا: نمتحنه فإن يكن ملكا عشنا في جنابه ، وإن يكن نبيا كان أولى بأن نكون أسعد الناس به. وقيل: إنهم وفدوا شافعين في أسرى بني العنبر. أما إخبار الله تعالى عنهم بأن أكثرهم لا يعقلون فإما لأن الأكثر أقيم مقام الكل على عادة الفصحاء كيلا يكون الكلام بصدد المنع ، وإما لأن الحكم بقلة العقلاء فيهم عبارة عن العدم فإن القلة تقع موقع النفي في كلامهم ، وإما لأن فيهم من رجع وندم على صنيعه فاستثناه الله تعالى. وإنما حكم عليهم بعدم العقل لأنهم لم يعقلوا أن هذا النحو من النداء خارج عن قانون الأدب ومنبئ عن عدم الوقار والأناة ولا سيما في حق النبي صلىاللهعليهوسلم فإنه لم يكن يحتجب عن الناس إلا عند الخلوة والاشتغال بمهامّ أهل البيت فلذلك قال (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ) وفائدة قوله (إِلَيْهِمْ) أنه لو خرج لا لأجلهم لزمهم الصبر إلى أن يكون خروجه إليهم لأجلهم (لَكانَ)