ذلك من الأمور الدالة على غاية العدل. والمراد بالكتاب إما اللوح المحفوظ يقابل به صحف الأعمال أو الصحف نفسها ولكنه اكتفى باسم الجنس. (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ) ليسألهم ربهم عن تبليغ الرسالة ويجيب قومهم بما يجيبون. والمراد بالشهداء الذين يشهدون للأمم وعليهم من الحفظة والأخيار ومن الجوارح والمكان والزمان أيضا. وقيل: هم الذين قتلوا في سبيل الله ولعله ليس في تخصيصهم بالذكر فائدة. وحين بين أنه يحضر في محفل القيامة جميع ما يحتاج إليه في فصل الخصومات ذكر أنه يوصل أهل النار ، وختم السورة بذكر أهل الجنة فقال (وَسِيقَ) وهو على عادة إخبار الله تعالى. والزمر الأفواج المتفرقة واحدها زمرة وكذلك في صفة أهل الجنة ، وذلك أنه يحشر أمة بعد أمة مع إمامها إلى الجنة أو النار ، أو بعضهم قبل الحساب وبعضهم بعد الحساب على اختلاف المراتب والطبقات ، فلا ريب أن الناس محقين أو مبطلين فرق ذاهبون في طرق شتى جماعة جماعة. والخزنة جمع خازن ، والمراد بكلمة العذاب قوله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) [السجدة: ١٣] أو علم الله السابق وكان القياس التكلم إلا أنه عدل إلى الظاهر فقيل على الكافرين ليعلم سبب العذاب.
سؤال السوق في الكفار له وجه لأنهم أهل الطرد والعنف فما وجهه في أهل الجنة؟ الجواب من وجوه: قال جار الله: المضاف هنا محذوف أي وسيق مراكب الذين اتقوا لأنهم لا يذهبون إلا راكبين كالوافدين على ملوك الدنيا ، وحثها إسراع لهم إلى دار الكرامة والرضوان. وقيل: طباق. وقيل: أكثر أهل الجنة البله فيحتاجون إلى السوق لأنهم لا يعرفون ما فيه صلاحهم. وقيل: إنهم يقولون لا أدخلها حتى يدخلها أحبائي فيتأخرون لهذا السبب وحينئذ يحتاجون إلى أن يساقوا إلى الجنة. وقال أهل العرفان: المتقون قد عبدوا الله لله لا للجنة فيصير شدة استغراقهم في مشاهدة مطالع الجمال والجلال مانعة لهم عن الرغبة في الجنة ، فلا جرم يفتقرون إلى السوق. وقال الحكيم: كل خصلة ذميمة أو شريفة في الإنسان فإنها تجره من غير اختياره شاء أم أبى إلى ما يضاهيه حاله فذاك معنى السوق.
سؤال آخر: لم قيل في صفة أهل النار (فُتِحَتْ أَبْوابُها) من غير واو وفي صفة أهل الجنة (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) بالواو؟ والجواب البحث عن مثل هذه الواو قد يقال له واو الثمانية قد مر في قوله (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) [التوبة: ١١٢] وفي سورة الكهف إلا أن الذي اختص بالمقام هو أن بعضهم قالوا: إن أبواب جهنم مغلقة لا تفتح إلا عند دخول أهلها فيها ، وأما أبواب الجنة فمتقدم فتحها لقوله (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) [ص: ٥٠] فلذلك جيء بالواو كأنه قيل: حتى إذا جاؤها وقد فتحت أبوابها ، وعلى هذا فجواب (حَتَّى إِذا) محذوف وحق موقعه ما بعد (خالِدِينَ) أي كان ما كان من أصناف الكرامات