خلقة السماء كذلك واحدها حباك ، وقال الحسن: حبكها نجومها لأنها تزينها كما تزين الموشىّ يكون بطرائق الوشي. وقيل: حبكها صفاقتها وإحكامها يقال للثوب الصفيق «ما أحسن حبكه». وعلى القول الأول يكون بين القسم والمقسم عليه مناسبة لأن القول المختلف له أيضا طرائق ، قال الضحاك: قول الكفرة لا يكون مستويا وإنما هو متناقض مختلف ولهذا قالوا للرسول شاعر مجنون ، وللقرآن مثل ذلك ، وعن قتادة: أراد منكم مصدّق ومكذب ومقر ومنكر. والضمير في (يُؤْفَكُ عَنْهُ) للقرآن أو النبي أي يصرف عنه من صرف الصرف الذي لا صرف بعده لأنه غاية ونهاية. ويمكن أن يقال: يصرف عنه من صرف في سابق علم الله ، ويجوز أن يكون الضمير للموعود أقسم بالذاريات وغيرها أن وقوعه حق ، ثم أقسم بالسماء أنهم مختلفون في وقوعه يؤفك عن الإقرار به من هو عديم الاستعداد ، مغمور في الجهل والعناد. وجوّز جار الله أن يرجع الضمير إلى (قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) ويكون «عن» كما في قوله
ينهون عن أكل وعن شرب
أي يتناهون في السمن من كثرة الأكل والشرب وحقيقته يصدر تناهيهم في السمن من الأكل والشرب وكذلك يصدر إفكهم عن القول المختلف. ثم دعا عليهم بقوله (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) أي الكذابون المقدرون ما لا يصح وهم المعهودون وأعم فيشملهم شمولا أوليا. ولا يراد بهذا الدعاء وقوع القتل بعينه بل اللعن وما يوجب الهلاك بأي وجه كان. وقد لا يراد إلا تقبيح حال المدعو كقوله (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) والغمرة كل ما يغمر الإنسان أي إنهم في جهل يغمرهم غافلون عما أمروا به (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) أي متى وقوعه؟ ثم أجاب بقوله (يَوْمَ هُمْ) أي يقع في ذلك اليوم. ومعنى (يُفْتَنُونَ) يحرقون ويعذبون. ثم وبخهم وتهكم بهم قائلا (ذُوقُوا) إلى آخره. وحين حكى حال الفاجر الشقي أراد أن يبين حال المؤمن التقي فقال (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) أي في جنات فيها عيون حال كونهم (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) قال جار الله: قابلين لكل ما أعطاهم راضين به لا كمن يأخذ شيئا على سخط وكراهية. وقال غيره: أراد أنهم يأخذونه شيئا فشيئا ولا يستوفون ذلك بكماله لامتناع استيفاء ما لا نهاية له. وقيل: الأخذ بمعنى التملك يقال: بكم أخذت هذا كأنهم اشتروها بأنفسهم وأموالهم. قال: إن فيض الله تعالى لا ينقطع أصلا وإنما يصل إلى كل مكلف بقدر ما استعد له ، فكلما ازداد قبولا ازداد تأثرا من الفيض والأخذ في هذا المقام لعله إشارة إلى كمال قبولهم للفيوض الإلهية ، وذلك لما أسلفوا من حسن العبادة ووفور الطاعة ولهذا علله بقوله (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) أي في الدنيا وظهر عليهم