وتسمع مثل ما أنك هاهنا. قال الأصمعي: أقبلت خارجا من البصرة فطلع أعرابي على قعود فقال: من الرجل؟ قلت: من بني أصمع. قال: من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن. فقال: اتل علي فتلوت (وَالذَّارِياتِ) فلما بلغت قوله (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) فقال: حسبك. فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على الناس وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى. فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق ، فالتفت فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر فسلم علي واستقرأ السورة ، فلما بلغت الآية صاح وقال: وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ثم قال: فهل غير هذا؟ فقرأت (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ) فصاح فقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى ألجئوه إلى اليمين قالها ثلاثا وخرجت معها نفسه. ثم سلى نبيه صلىاللهعليهوسلم بقصة إبراهيم وغيرها قد مرت في «هود» و «الحجر» وفي قوله (هَلْ أَتاكَ) تفخيم لشأن الحديث. والضيف واحد. وجمع والمكرمون إما باعتبار إكرامه إياهم حتى خدمهم بنفسه وبامرأته ، أو لأنهم أهل الإكرام عند الله كقوله (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء: ٢٦] وجوز أن يكون نصب (إِذْ دَخَلُوا) بالمكرمين إذا فسر بإكرام إبراهيم أو بما في ضيف من معنى الفعل. قال المفسرون: أنكرهم للسلام الذي هو علم الإسلام أو أراد تعرف حالهم لأنهم لم يكونوا من معارفه (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) فذهب إليهم في خفية من ضيوفه وهو نوع أدب للمضيف كيلا يستحيوا منه ولا يبادروا بالاعتذار والمنع من الضيافة. وفي قوله (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) دلالة على أن نقل الطعام إلى الضيف أولى من العكس لئلا يتشوش المكان عليهم. (قالَ أَلا تَأْكُلُونَ) سلوك لطريقة الاستئناف ولهذا حذف الفاء خلاف ما في «الصافات» وقد مر. والاستفهام لإنكار ترك الأكل أو للحث عليه (فَأَوْجَسَ) فأضمر وقد تقدم سائر الأبحاث في «هود» وفي «الصافات». واعلم أنه سبحانه ذكر في «هود» أنه لما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وقال هاهنا (سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) ولا تنافي بين الحديثين لأنه أنكرهم أولا بالسلام الذي لم يكن من عادة تلك الشريعة ، ثم زاد إنكاره حين رآهم لا يأكلون الطعام فذكر أحد الإنكارين في تلك السورة والآخر في هذه. قوله (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) أي في صيحة ومنه صرير القلم. قال الحسن: كانت في زاوية تنظر إليهم فوجدت حرارة الدم فأقبلت إلى بيتها صارة فلطمت وجهها من الحياء والتعجب كعادة النسوان (وَقالَتْ) أنا (عَجُوزٌ) فأجابت الملائكة (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الذي قلنا وأخبرنا به (قالَ رَبُّكِ) فلا تستبعدي. وروي أن جبرائيل قال لها: انظري إلى سقف بيتك فنظرت فإذا جذوعه مورقة مثمرة فحينئذ أحس إبراهيم صلوات الرحمن عليه بأنهم ملائكة. (قالَ فَما خَطْبُكُمْ)