التفسير: لما ختم السورة المتقدمة بوقوع اليوم الموعود أقسم على ذلك بالطور وهو الجبل الذي مر ذكره مرارا في قصة موسى. والكتاب المسطور التوراة ظاهرا لأنه هو المناسب للطور. وقيل: اللوح المحفوظ. وقيل: صحيفة الأعمال. والرق الصحيفة أو الجلد الذي يكتب عليه. والمنشور خلاف المطوي كقوله (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) [الإسراء: ١٣] وقيل: هو القرآن ونكر لأنه كتاب مخصوص من بين جنس الكتب (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) الكعبة أو الضراح في السماء السابعة سمي معمورا لكثرة زواره من الحجاج أو الملائكة (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) السماء (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) المملوء أو الموقد من قوله (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) [الانفطار: ٣] وقد سبق في «المؤمن» في قوله (ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) [الآية: ٧٢] عن جبير بن مطعم أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أكلمه في الأسارى فألفيته في صلاة الفجر يقرأ سورة (وَالطُّورِ) فلما بلغ (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) أسلمت خوفا من أن ينزل العذاب (يَوْمَ تَمُورُ) تضطرب وتجيء وتذهب وقد يقال: المور تحرك في تموج كحركة الزئبق ونحوه. قلت: لأهل التأويل أن يقولوا: الطور القوة العقلية ، وكتاب مسطور هي الجلايا القدسية والمعارف الإلهية الثابتة فيها كالحرف في الرق ، والبيت المعمور بيت القلب ، والسقف المرفوع الرأس ، والبحر المسجور الدماغ المملوء من الخيالات والأوهام. (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ) بالحرمان عن الإكرام لازدحام ظلم الآثام لواقع يوم القيامة الصغرى إذ تمور سماء الأرواح حين قطع العلائق وحيلولة العوائق مورا ، وتسير جبال النفوس الحيوانية الأمارة التي أثقلت ظهر صاحبها لانتهاء سيرانها وانقضاء سلطانها سيرا. والدع الدفع العنيف. قال المفسرون: إن خزنة النار يغلون أيديهم إلى أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ويدفعونهم إلى النار دفعا على وجوههم وزجا في أقفيتهم. والاستفهام في قوله (أَفَسِحْرٌ) للتقريع والتهكم ، والفاء مؤكد له أي كنتم تقولون للوحي إنه سحر فهذا أيضا سحر (أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) هذا المخبر عنه في الآخرة كما كنتم لا تصدقون الخبر عنه في الدنيا. وقوله (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا) كقوله (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا) [إبراهيم: ٢١] ثم علل الاستواء بقوله (إِنَّما تُجْزَوْنَ) يعني أن الجزاء لا بد من حصوله فلا مزية للصبر على عدمه. قوله (وَوَقاهُمْ) معطوف على متعلق قوله (فِي جَنَّاتٍ) أي استقروا في جنات ونعيم ووقاهم العذاب. وجوز أن يعطف على (آتاهُمْ) على أن «ما» مصدرية أي فاكهين بالإيتاء والوقاية (كُلُوا) على إرادة القول أي يقال لهم كلوا (وَاشْرَبُوا) أكلا وشربا (هَنِيئاً) أو طعاما وشرابا هنيئا لا تنغيص فيه. وقد مر في أول «النساء». وجوز جار الله أن يكون صفة في معنى المصدر القائم مقام الفعل أي هنأكم الأكل والشرب بسبب ما عملتم ، أو الباء مزيدة أي هنأكم جزاء ما عملتم. قوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا)