وقيل: إن الأصنام فيها كثرة فإذا أخذنا اللات والعزى مقدمين كانت لهما ثوالث كثيرة وهذه ثالثة أخرى. وقيل: فيه حذف والتقدير أفرأيتم اللات والعزى المعبودتين بالباطل ومناة الثالثة المعبودة الأخرى. ثم إنه تعالى حين وبخهم على الشرك فكأنهم قالوا نحن لا نشك في أن شيئا منها ليس مثلا لله تعالى ولكنا صورنا هذه الأشياء على صور الملائكة المعظمين الذين اعترف بهم الأنبياء وقالوا: إنهم يرتقون ويقفون عند سدرة المنتهى ، ويرد عليهم الأمر والنهي ويصدر عنهم إلينا فوبخهم على قولهم إن هؤلاء الأصنام التي هي إناث أنداد الله تعالى ، أو على قولهم الملائكة بنات الله فاستفهم منكرا (أَلَكُمُ الذَّكَرُ) الذي ترغبون فيه (وَلَهُ الْأُنْثى) التي تستنكفون عنها (تِلْكَ) القسمة (إِذاً) أي إذا صح ما ذكرتم (قِسْمَةٌ ضِيزى) أي جائزة غير عادلة من ضازه يضيزه إذا ضامه ، وهي «فعلى» بالضم ، وكان يمكن أن تقلب الياء واوا لتسلم الضمة إلا أنه فعل بالعكس أي قبلت الضمة كسرة لتسلم الياء فإن إبقاء الحرف أولى من إبقاء الحركة. ومن قرأ بالهمزة فمن ضأزه بالهمزة والمعنى واحد ولكنها «فعلى» بالكسر. قال بعضهم: إنهم ما قسموا ولم يقولوا لنا البنون وله البنات ولكنهم نسبوا إلى الله البنات وكانوا يكرهونهن ، فلزم من هذه النسبة قسمة جائرة ، فتقدير الكلام تلك النسبة قسمة غير عادلة إذ العدالة تقتضي أن يكون الشريف للشريف والوضيع للوضيع (إِنْ هِيَ) يعني ليس الأصنام أو أسماؤها المذكورات (إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها) وقد مر في «الأعراف» وفي «يوسف». قال الإمام فخر الدين الرازي رحمهالله: اليتم يتم بقوله (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) فإن إطلاق الاسم على المسمى إنما يجوز إذا لم يتبعه مفسدة دينية. وهاهنا يمكن أن يكون مرادهم من قولهم «الملائكة بنات الله» أنهم أولاد الله من حيث إنه لا واسطة بينهم وبينه في الإيجاد كما تقوله الفلاسفة. والعرب قد تستعمل البنت مكان الولد كما يقال «بنت الجبل وبنت الشفة» لما يظهر منهما بغير واسطة خصوصا إذا كان في اللفظ تاء التأنيث كالملائكة إلا أنه لم يجز في الشرع إطلاق هذا اللفظ على الملائكة لأنه يوهم النقص في حقه تعالى ثم قال: وهذا بحث يدق عن إدراك اللغوي إن لم يكن عنده من العلوم حظ عظيم. قلت: هذا البحث الدقيق يوجب أن يكون الذم راجعا إلى ترك الأدب فقط. وليس الأمر كذلك فإن الذم إنما توجه إلى المشرك لأنه ادعى الإلهية لما هو أبعد شيء منها. وما أمكن له على تصحيح دعواه حجة عقلية ولا سمعية. ومعنى (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها) أي بسببها وصحتها. وقال الرازي: الباء للمصاحبة كقول القائل «ارتحل فلان بأهله ومتاعه» أي ارتحل ومعه الأهل والمتاع. ومن قرأ إن تبعون على الخطاب فظاهر ، ومن قرأ على الغيبة فإما للالتفات ، واما لأن الضمير للآباء وصيغة الاستقبال