مقدرة متساوية أي قدر ماء السماء كقدر ماء الأرض ، ولعله إشارة إلى أن ماء الأرض ينبع من العيون حتى إذا ارتفع وعلا لقيه ماء السماء. ويحتمل أن يقال: اجتمع الماء على أمر هلاكهم وهو مقدر في اللوح و (ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) هي السفينة وهي من الصفات التي تؤدي مؤدى الموصوف فتنوب منابه. وهذا الإيجاز من فصيح الكلام وبديعه. والدسر المسامير جمع دسار من دسره إذا دفعه لأنه يدسر به منفذه. فعلنا كل ما ذكرنا من فتح أبواب السماء وغيره (جَزاءً) أو جزيناهم جزاء (لِمَنْ كانَ كُفِرَ) وهو نوح عليهالسلام لأن وجود النبي صلىاللهعليهوسلم نعمة من الله وتكذيبه كفرانها. يحكى أن رجلا قال للرشيد: الحمد لله عليك. فسئل عن معناه قال: أنت نعمة حمدت الله عليها. والضمير في (تَرَكْناها) للسفينة أو للفعلة كما مر في «العنكبوت» (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ) [الآية: ١٥] والمدكر المعتبر وأصله «مذتكر» افتعال من الذكر والاستفهام فيه وفي قوله (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) أي إنذاراتي للتوبيخ والتخويف (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ) سهلناه للادّكار والاتعاظ بسبب المواعظ الشافية والبيانات الوافية. وقيل: للحفظ والأول أنسب بالمقام. وإن روي أنه لم يكن شيء من كتب الله محفوظا على ظهر القلب سوى القرآن. سؤال: ما الحكمة في تكرير ما كرر في هذه السورة من الآي؟ والجواب أن فائدته تجديد التنبيه على الادكار والاتعاظ والتوقيف على تعذيب الأمم السالفة ليعتبروا بحالهم ، وطالما قرعت العصا لذوي الحلوم وأصحاب النهي وهكذا حكم التكرير في سورة الرحمن عند عد كل نعمة ، وفي سورة المرسلات عند عد كل آية لتكون مصورة للأذهان محفوظة في كل أوان. ونفس هذه القصص كم كررت في القرآن بعبارات مختلفة أوجز وأطنب لأن التكرير يوجب التقرير والتذكير ينبه الغافل على أن كل موضع مختص بمزيد فائدة لمن يعرف من غيره ، وإنما كرر قوله (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) مرتين في قصة عاد لأن الاستفهام الأول أورده للبيان كما يقول المعلم لمن لا يعرف كيف المسألة الفلانية ليصير المسئول سائلا فيقول: كيف هي؟ فيقول المعلم: إنها كذا وكذا. والاستفهام الثاني للتوبيخ والتخويف. فأما في قصة ثمود فاقتصر على الأول للاختصار وفي قصة نوح اقتصر على الثاني لذلك. ولعله ذكر الاستفهامين معا في قصة عاد لفرط عتوهم وقولهم (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت: ١٥] وقد مر في حم السجدة تفسير الصرصر والأيام النحسات. وإنما وحد هاهنا لأنه أراد مبدأ الأيام ووصفه بالمستمر أغنى عن جمعه أي استمر عليهم ودام حتى أهلكهم. قيل: استمر عليهم جميعا على كبيرهم وصغيرهم حتى لم يبق منهم نسمة. وقيل: المستمر الشديد المرارة. (تَنْزِعُ النَّاسَ) تقلعهم عن أماكنهم فتكبهم وتدق رقابهم