الأرض من إستبرق فما ظنك بظهائرها؟ ويجوز أن يكون ظهائرها السندس. والتحقيق أنه لا يعلمها إلا الله كقوله (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ) [السجدة: ١٧] (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ) أي ثمرها (دانٍ) قريب يناله القائم والقاعد والنائم. قال جار الله: (فِيهِنَ) أي في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش والجنى. وقيل: في الفرش أي عليها. وقيل: في الجنان لأن ذكر الجنتين يدل عليه ولأنهما يشتملان على أماكن ومجالس ومتنزهات ، وهذا الوجه عندي أظهر وسيجيء بيانه بنوع آخر عن قريب. قال الفراء: الطمث الاقتضاض وهو النكاح بالتدمية و (قَبْلَهُمْ) أي قبل أصحاب الجنتين واللفظ يدل عليه. قال مقاتل: هن من حور الجنة. وقال الكلبي والشعبي: هن من نساء الدنيا أنشئن خلقا آخر لم يجامعهن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنسي ولا جني. قال في الكشاف: لم يطمث الإنسيات منهمن أحد من الإنس والجنيات أحد من الجن قلت: هذا التفصيل لعله لا حاجة إليه يعرف بأدنى تأمل. قال الزجاج: فيه دليل على أن الجن تطمث كما تطمث الإنس.
ثم ذكر أنهن في صفاء الياقوت وبياض اللؤلؤ الصغار (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ) في العمل (إِلَّا الْإِحْسانُ) في الجزاء. وخص ابن عباس فقال: هل جزاء من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله إلا الجنة. وحين فرغ من نعت جنتي المقربين شرع في وصف جنتين لأصحاب اليمين فقال (وَمِنْ دُونِهِما) أي ومن أسفل منهما في المكان أو في الفضل أو فيهما وهو الأظهر. روى أبو موسى عن النبي صلىاللهعليهوسلم «جنتان من فضة أبنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب أبنيتهما وما فيهما» (١) (مُدْهامَّتانِ) هو من الادهيمام إدهام يدهام فهو مدهام نظير اسواد يسواد فهو مسواد في اللفظ وفي المعنى ، وذلك أن كل نبت أخضر فتمام خضرته من الري أن يضرب إلى السواد (نَضَّاخَتانِ) فوارتان ، والنضخ بالخاء المعجمة أكثر من النضح وهو الرش. قال ابن عباس: تنضخ على أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور ، وانما خص النخيل والرمان بالذكر بعد اندارجهما في الفاكهة لفضلهما وشرفهما ، فالنخل فاكهة وطعام والرمان فاكهة ودواء كامل ومنه قال أبو حنيفة رحمهالله: إذا حلف لا يأكل فاكهة فأكل رمانا أو رطبا لم يحنث. وخالفه صاحباه ووافقهما الشافعي. والخيرات مخفف خيرات لأن الخير الذي هو بمعنى التفضيل لا يجمع جمع السلامة والمعنى أنهن فاضلات الأخلاق حسان الصور. واعلم أنه سبحانه قال في الموضعين عند ذكر الحور (فِيهِنَ) وفي سائر المواضع
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب التوحيد باب ٢٤ كتاب تفسير سورة ٥٥ باب ١ ، ٢ مسلم في كتاب الإيمان حديث ٢٩٦ الترمذي في كتاب الجنة باب ٣ ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١٣.