أقول: هذا أول المسألة لأن الكلام لم يقع في اختصاص وجوده وعدمه وإنما النزاع في معنى قوله آخرا. وثالثها أنه أول في الوجود آخر في الاستدلال لأن المقصود من جميع الاستدلالات معرفة ذات الصانع وصفاته ، وأما سائر الاستدلالات التي لا يراد بها معرفة الصانع فهي حقيرة خسيسة. قلت: أراد أنه غاية الأفكار ونهاية الأنظار وهذا معنى حسن في نفسه إلا أنه لا يطابق معنى الأول كل المطابقة. ورابعها أنه أول في ترتيب الوجود وآخر إذا عكس الترتيب. قلت: هذا تصور صحيح ينطبق على السلسلة المترتبة من العلل والمعلولات ، وعلى المترتبة من الأشرف إلى الأخس. وعلى الآخذة من الوحدة إلى الكثرة ، وكما يلي الأزل إلى ما يلي الأبد ، ومما يلي المحيط إلى ما يقرب من المركز فهو سبحانه أول بالترتيب الطبيعي وآخر بالترتيب المنعكس فقد وضح بهذا البيان صحة إطلاق التقدمات الخمسة ومقابلاتها عليه تعالى ، وهذا من غوامض الأسرار وقد وفقني الله تعالى لحلها وبيانها فالشكر على آلائه. أما تفسير الظاهر والباطن فالمحققون قالوا: إنه الظاهر بالأدلة الدالة على وجوده. والباطن لأنه جل عن إدراك الحواس والعقول إياه إما في الدنيا أو فيها وفي الآخرة جميعا. وقيل: معنى الظاهر الغالب ، والباطن العالم بما بطن أي خفي. قال الليث: يقال أنت أبطن بهذا الأمر أي أخبر به. وباقي الآيات قد سبق تفسيرها في مواضع إلا قوله (يَعْلَمُ ما يَلِجُ) فإنه قد مر في أول «سبأ» فقط فلا حاجة إلى الإعادة. وقوله (وَهُوَ مَعَكُمْ) معية العلم والقدرة أو استصحاب المكان عند بعض قوله (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وبعده مثله ليس بتكرار لأن الأول في الدنيا لقوله (يُحْيِي وَيُمِيتُ) والثاني في العقبى لقوله (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) قوله (مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) أراد أن المال مال الله والعباد عباد الله إلا أنه قد جعل أرزاقهم متداولة بيد حكمته متعلقة بالوسائط والروابط ، فالسعيد من وفقه الله تعالى لرعاية حق الاستخلاف فيتصرف فيما آتاه الله على وفق ما أمره الله من الإنفاق في سبيل الله قبل أن ينتقل منه إلى غيره بإرث أو حادث كما انتقل من غيره إليه بأحد السببين. قوله (لا تُؤْمِنُونَ) حال من معنى الفعل كقولك «مالك قائما» أي ما تصنع. والواو في قوله (وَالرَّسُولُ) للحال من ضمير (لا تُؤْمِنُونَ) فهما حالان متداخلتان. وأخذ الميثاق إشارة إلى الأقوال المذكورة في تفسير قوله (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) [الأعراف: ١٧٢] ، والمراد أنه قد تعاضدت الدلائل السمعية والبراهين العقلية على الإيمان بالله فأي عذر لكم في تركه (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) لموجب ما فإن هذا الموجب لا مزيد عليه ولا ريب أن الإيمان بالله شامل للتصديق بجميع أوامره وأحكامه ومن جملتها الإيمان بالرسول وبالقرآن وبما فيه. استدل القاضي بقوله (وَما