أمارات الموت يعظم خوفه ، فلو جعلنا كون القلوب لدى الحناجر كناية عن شدّة الخوف جاز ، ولو حملناه على ظاهره فلا بأس. وقوله (كاظِمِينَ) أي مكروبين. والكاظم الساكت حال امتلائه غما وغيظا قال عز من قائل (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) [آل عمران: ١٣٤] وانتصابه على أنه حال عن أصحاب القلوب كأنه قيل: إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين عليها ، أو عن القلوب. وجمع جمع السلامة بناء على أن الكظم من أفعال العقلاء كقوله (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء: ٤] أو عن ضمير المفعول في (وَأَنْذِرْهُمْ) أي وأنذرهم مقدّرين أو مشارفين الكظم فيكون حالا مقدّره. وفي قوله (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ) بحث بين الأشاعرة والمعتزلة حيث حمله الأوّلون على أهل الشرك ، والآخرون على معنى أعم حتى يشمل أصحاب الكبائر. وقد مرّ مرارا ولا سيما في قوله (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) [آل عمران: ١٩٢] ومعنى قوله (يُطاعُ) يجاب أي لا شفاعة ولا إجابة كقوله:
ولا ترى الضب بها ينجحر
وذلك أنه لا يشفع أحد في ذلك اليوم إلا بإذن الله ، فإن أذن له أجيب وإلا فلا يوجد شيء من الأمرين. والفائدة في ذكر هذه الصفة أن يعلم أن الغرض من الشفيع منتف في حقهم وإن فرض شفيع على ما يزعم أهل الشرك من أن الأصنام يشفعون لهم. وقوله (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) خبر آخر لقوله (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) إلا أنه فصل بالتعليل وهو قوله (لِيُنْذِرَ) وذكر وصف القيامة استطرادا ، قال جار الله: هي صفة للنظرة أو مصدر بمعنى الخيانة كالعافية ، والمراد استراق النظر إلى ما لا يحل كما يفعل أهل الريب. قال: ولا يحسن أن تكون الخائنة صفة للأعين مضافة إليها نحو «جرد قطيفة» أي يعلم العين الخائنة لأن قوله (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) لا يساعد عليه. قلت: يعني أن عطف العرض على الجوهر والمعنى على العين غير مناسب. وقيل: هي قول الإنسان رأيت ولم ير وما رأيت ورأى. ومضمرات الصدور أي القلوب فيها لأنها فيها. قيل: هي ما يستره الإنسان من أمانة وخيانة. وقيل: الوسوسة. وقال ابن عباس: ما تخفي الصدور بعد النظر إليها أيزني بها أم لا. أقول: والحاصل أنه تعالى أراد أن يصف نفسه بكمال العلم فإن المجازاة تتوقف على ذلك. ففي قوله (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) إشارة إلى أنه عالم بجميع أفعال الجوارح ، وفي قوله (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) دلالة على أنه عالم بجميع أفعال القلوب. وإذا علمت هذه الصفة وقد عرفت من الأصناف السابقة كمال قدرته واستغنائه لم يبق شك فى حقيّة قضائه فلذلك قال (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) ثم وبخهم على عبادة من لا قضاء له ولا سمع ولا بصر